لا يريد بذلك غرضًا دنيويًّا، بعيدًا عن حبِّ الرِّياسة ورعوناتها، وليقرأ الحديث بصوتٍ حسنٍ فصيحٍ مرتَّلٍ، ولا يسرده سردًا؛ لئلَّا يلتبس أو يمنع السَّامع من إدراك بعضه، وقد تسامح بعض النَّاس في ذلك، وصار يعجِّل استعجالًا بحيث يمنع السَّامع من إدراك حروف كثيرةٍ بل كلماتٍ، والله تعالى بمنِّه وكرمه يهدينا سواء السَّبيل.
قوله:(لَاْ يُرِيْدُ بِذَلِكَ غَرَضًا دُنْيَوِيًّا)؛ أي: لما روى أبو داود من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ لَاْ يَتَعَلَّمُهُ إَلَّا لِيُصِيْبَ بِهِ غَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ». والعَرف بالفتح: الرائحة الطيبة.
وقال حَمَّاد بن سلمة: من طلبَ الحديثَ لغير الله مُكِرَ بِهِ.
قال ابن الصلاح: ومِن أقربِ الوجوه في إصلاح النية ما روينا أنَّ أبا جعفر بن حمدان سُئِلَ: بأيِّ نيةٍ نكتبُ الحديثَ؟ فقال: ألستم تروونَ أنَّ عند ذكر الصالحين تنزلُ الرحمة؟ قال: نعم، قال: فرسول الله ﷺ رأس الصالحين.
قوله:(وَلَاْ يَسْرُدْهُ)؛ أي: يقرأه بعجلةٍ، وقد أوردَ البيهقي في ذلك حديث البخاري عن عروة قال:«جَلَسَ أبو هُرَيْرَةَ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ، فلما قَضَتْ صَلَاتَهَا قالت: أَلَا تَعْجَبُ إلى هذا وَحَدِيثِهِ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِنَّمَا كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيْثًا لو عَدَّهُ الْعَادُّ أَحْصَاهُ»، وفي لفظٍ عند مسلم:«لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيْثَ كَسَرْدِكُمْ» زادَ البَيْهَقِيُّ: «إِنَّمَا كَانَ حَدِيْثُهُ فَصْلًا تَفْهَمُهُ القُلُوْبُ».
قوله:(لِئَلَّا يَلْتَبِسَ … ) إلى آخره، ولو أفرطَ القارئُ في الإسراعِ بحيثُ يخفى بعض الكلام، أو هَيْنَمَ؛ أي: أخفى صوته، أو بَعُدَ السامع بحيث لا يفهم المقروء عُفِيَ في ذلك عن القدرِ اليسيرِ الذي لا يخلُّ عدمُ سماعه بفهم الباقي نحو الكلمة والكلمتين.
ويُستحب للشيخ أن يجيزَ السامعينَ روايةَ ذلك الكتاب أو الجزء الذي سمعوه وإن شمله السماع؛ لاحتمال وقوع شيء ممَّا تقدم من الحديث والعجلة، فينجبر بذلك.
قال ابن عَتَّابٍ الأندلسي: لا غنىَ في السماع عن الإجازة؛ لأنَّه قد يغلطُ القارئُ ويغفل الشيخ