للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اعلم أنَّه لم يَزَلِ الحديث النَّبويُّ -والإسلامُ غضٌّ طريٌّ، والدِّين مُحكَمُ الأساسِ قويٌّ- أشرفَ العلوم وأجلَّها لدى الصَّحابة والتَّابعين وأتباعهم خلفًا بعد سلفٍ، لا يشرُف بينهم أحدٌ بعد حفظ التَّنزيل إلَّا بقدر ما يحفظ منه، ولا يعظم في النُّفوس إلَّا بحسب ما سُمِعَ من الحديث عنه، فتوفَّرت الرَّغبات فيه، وانقطعت الهمم على تعلُّمه، حتَّى رحلوا المراحل ذوات العدد، وأفنَوا الأموال والعُدَد، وقطعوا الفيافي في طلبه، وجابوا البلاد شرقًا وغربًا بسببه،

قوله: (والْإِسْلَامُ غَضٌّ … ) إلى آخره، جملة حالية معترضة بين اسم (زال) وخبرها وهو أشرف العلوم.

قوله: (لا يَشْرُفُ) بفتح أوَّله وضمِّ ثالثه؛ أي: لا يصير شريفًا.

قوله: (بَعْدَ حِفْظِ التَّنْزِيْلِ)؛ أي: القرآن.

قوله: (إِلَّا بِحَسَبِ مَا سُمِعُ مِنَ الحَدِيْثِ عَنْهُ)؛ أي: إلَّا بحسب ما يُروى عنه من الأحاديث كَثْرَةً وقلَّة وصحَّةً وضعفًا؛ فكلَّما أكثر من الحديث تحمُّلًا وأداءً وعُني بمعرفة رجاله ومتنه كان أجلَّ عندهم وأشرفَ وبالعكس.

قوله: (وانْقَطَعَت الهِمَمُ … ) إلى آخره، لعلَّه ضمَّنَهُ معنى قصرت فعَدَّاهُ بعَلَى، وإلَّا فكان حقُّهُ التَّعدية باللَّام.

قوله: (ذَوَاتِ العَدَدِ) بفتح العين؛ أي: المعدودة؛ والمراد الكثيرة وإن كان ذلك كناية عن القلَّة بإشارة قوله تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ [يوسف: ٢٠]، وقوله: (والعُدد) بضمِّ العين جمع عُدَّة بضمِّها وفتح الدَّال مشدَّدة، وهي ما يعِدُّه الإنسان للأمر من مال وغيره.

قوله: (وَقَطَعُوا الفَيَافِي) بفاءين جمع فيفاء بالمد ويُقصر، كما في «القاموس» وهي: المفازةُ لا ماءَ فيها كالفيفاة، ويُجمع أيضًا على أفياف وفيوف.

قوله: (وَجَابُوا)؛ أي: قطعوا بمسيرهم.

<<  <   >  >>