للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أظهر من كنوز مطالبها العالية إبريز البلاغة وأبرز، وحاز قَصَبَ السَّبق في ميدان البراعة وأحرز (١)، وأتى من صحيح الحديث وفقهه بما لم يُسبَق إليه، ولا عرَّج أحدٌ عليه، فانفرد بكثرة فرائد فوائده، وزوائد عوائده، حتَّى جزم الرَّاوون بعذوبة موارده؛ فلذا رَجَحَ على غيره من الكتب بعد كتاب الله، وتحرَّكت بالثَّناء عليه الألسن والشِّفاه، ولطالما خطر في الخاطر المخاطر أنْ أُعلِّق عليه شرحًا أَمزجه فيه مزجًا، وأدرجه ضمنه درجًا، أُميِّز فيه الأصل من الشَّرح بالحمرة والمداد، واختلاف الرِّوايات بغيرهما، ليدرِك النَّاظر سريعًا المراد، فيكون باديًا بالصَّفحة، مدركًا باللَّمحة، كاشفًا بعض أسراره لطالبيه، رافع النِّقاب عن وجوه معانيه لمعانيه، موضِّحًا مُشكِلَه، فاتحًا مُقفَلَه، مقيِّدًا مهملَه، وافيًا بتغليق (٢) تعليقه، كافيًا في إرشاد السَّاري لطريق تحقيقه، محرِّرًا لرواياته، مُعْرِبًا عن غرائبه وخفيَّاته، فأَجِدُني أُحجم عن سلوك هذا المسرى، وأُبصِرُني أقدِّم رجلًا وأؤخِّر أخرى؛ إذ أنا بمَعْزِلٍ عن هذا المنزل، لا سيَّما وقد قِيلَ: إنَّ أحدًا لم يستصبح سراجَه، ولا استوضح منهاجَه، ولا اقتعد صهوتَه، ولا

طلب فنون الحديث الضَّائع أوجهًا في أرجاء الأسفار المتَّسعة، لاسيَّما في هذه الأزمان القاصرةِ الهمم المتكاثرةِ الغُمم القليلةِ الالتفات إلى هذه العلوم العظيمة النَّفعِ الجليلة الوقعِ، إذ أضحت فيها غريبة ليس لها مأوًى منقطعةَ الصُّحبة لا تجدُ لها مَن يهوى، على أنَّها جديرةٌ بالوصل والضمِّ حقيقةٌ


(١) في (ص): «وأبرز»، وسقط من (م).
(٢) في (ص): «بتعليق».

<<  <   >  >>