للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما قِيلَ فيه: حسنٌ صحيحٌ، أي: صَحَّ بإسنادٍ وحَسُنَ بآخرَ.

قوله: (وَمَا قِيْلَ فِيهِ … ) إلى آخره؛ أي: كما فعله التِّرمذيُّ في جامعه في كثير من الأحاديث، وكذلك ابن أبي شيبة وغيره.

قوله: (أَيْ: صَحِيْحٌ بِإِسْنَادٍ … ) إلى آخره، قال ابن دقيق العيد: يرد على ذلك الأحاديث الَّتي قيل فيها ذلك وليس لها إلَّا مخرج واحد كحديث «إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ من شَعْبَانَ فلا تَصُومُوا»، أخرجه التِّرمذيُّ، وقال فيه: حسن صحيح لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه على هذا اللفظ، وأجاب ابن الصَّلاح: بأنَّ المراد بقولهم: «حسن صحيح» الحسن اللُّغويُّ وهو حُسن الَّلفظ دون الاصطلاحيِّ.

ولذا قيل في بعض الأحاديث: حسن ولكن في رواته من هو كذَّاب، وردَّه ابن دقيق العيد بأنَّه يلزم أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن الَّلفظ أنَّه حسن، وذلك لا يقوله من المحدِّثين أحد، وأجاب ابن كثير: بأنَّ الجمع بين الصِّحة والحسن درجة متوسِّطة بين الصَّحيح والحسن، قال: فما يقال فيه حسن صحيح أعلى رتبةً من الحسن، ودون الصَّحيح، قال العراقيُّ: وهذا تَحَكُّمٌ لا دليل عليه. انتهى.

قلت: لعلَّ وجه التَّحكُّم أنَّه كان المتبادر أنَّه إمَّا أن يكون جانب الصِّحة فيه أرجح أو جانب الحسن أو يستويان، فإن كان أحدهما أرجح كان الحكم له وإلَّا فللحسن أيضًا إذ لا يُصار إلى الأعلى إلَّا بيقين، فالحكم بدرجة متوسطة حينئذ تحكُّم ولا دليلَ عليه في اصطلاحهم، ثمَّ إنَّا نجدهم تارة يقدِّمون لفظ (حسن) على (صحيح) وتارة يؤخِّرونه فيقولون تارة: (حسن صحيح) وأخرى: (صحيح حسن) والظَّاهر أنهم لا يفعلون ذلك عبثًا بل لا بدَّ من نُكتة، ولا مانع مِن أن يقال: إنَّها في تقديم لفظ الصِّحة يكون الحديث من قبيل الصَّحيح لغيره الحسن لذاته، فيكون أعلى من قولهم: حديث حسن فقط؛ لاحتمال أن يكون حسنًا لغيره، وفي تقديم لفظ الحسن يكون الحديث حسنًا لغيره بقرينة ضمِّ (صحيحٍ) إليه، ويكون المراد من قولهم (صحيح) أنَّه ليس بضعيف بل تَرَقَّى من هذه الرُّتبة فيكون ذلك أدنى من قولهم (صحيح حسن) كذا ظهر، وأحسن الأجوبة ما قاله شيخ الإسلام: وهو أنَّ الحديث إن تعدَّد إسناده فالوصف راجعٌ إليه باعتبار الإسنادين أو الأسانيد، قال: وعلى هذا فما قيل فيه ذلك فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردًا؛ لأنَّ كثرة الطُّرق تُقوِّي، وإلَّا فبحسب اختلاف النُّقاد في راويه فيَرى المجتهدُ منهم بعضهم يقول فيه: (صدوق) وآخر يقول فيه: (ثقة)، ولا يترجَّح عنده قول واحد منهما أو يترجَّح ولكنَّه يريد أن يُشير إلى كلام النَّاس فيه، فيقول ذلك وكأنَّه قال: حسن عند قوم صحيح عند قوم، قال: وغايةُ ما فيه أنَّه حَذَفَ منه حرف التَّرَدُّدِ؛ لأنَّ

<<  <   >  >>