للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا مُرسَل الصَّحابيِّ كابن عبَّاسٍ وغيره من صغار الصَّحابة عنه ممَّا لم يسمعوه منه فهو حُجَّةٌ، وإذا تعارض الوصل والإرسال بأن تختلف الثِّقات في حديثٍ، فيرويه بعضهم

سعيد فوجدوها بأسانيد صحيحة، وقال الماوردي في «الحاوي»: كان الشافعي يحتجُّ في القديم بمراسيل سعيد بانفرادها؛ لأنَّه لا يرسلُ حديثًا إلَّا يوجد مسندًا؛ ولأنَّه لا يروي إلَّا ما سمع من جماعة أو من أكابر الصحابة أو عضده قولهم أو رآه منتشرًا عند الكافة أو وافقه فعل أهل العصر، ثم قال: ومذهبه في الجديد أنَّه كغيره. انتهى.

فائدتان:

الأولى: في الاحتجاج بالمراسيل أقوال أُخَرُ غير ما تقدم، حاصلها أنَّه حجةٌ مُطلقًا، غير حُجَّةٍ مطلقًا، حُجَّةٌ إن أرسله سعيد فقط مطلقًا، حُجَّةٌ إن لم يكن في الباب سواه، هو أقوى من المسند، حُجَّةٌ إن أرسله صحابي، وقيل: يُحتج به ندبًا، فالجملة ثمانية أقوال.

الثانية: قال الحاكم في «علوم الحديث»: أكثر ما تُروى المراسيل من أهل المدينة عن ابن المسيَّب، ومن أهل مكة عن عطاء بن رباح، ومن أهل البصرة عن الحسن البصري، ومن أهل الكوفة عن إبراهيم النَّخعي، ومن أهل مصر عن سعيد بن أبي هلال، ومن أهل الشام عن مَكْحُول.

قال: وأصحُّها مراسيل ابن المسيب؛ لأنَّه من أولاد الصحابة، وأدرك العَشرة، وفقيه أهل الحجاز ومفتيهم، وأول الفقهاء السبعة الذين يحتج مالك بإجماعهم، كإجماع كافة الناس، وهذه الشرائط لم توجد في مراسيل غيره. انتهى.

ومنه يُعلم وجه ترجيح الشافعي لمراسيله دون غيره أيضًا زيادة عما سبق.

قوله: (وأَمَّا مُرسَلُ الصَّحَابِي … ) إلى آخره، ظاهره أنَّ المعنى أنَّ هذا الخلاف إنَّما هو في مرسل التابعي، أما مرسل الصحابي … إلى آخره، فلا خلاف في الاحتجاج به مطلقًا، وليس كذلك، بل الاحتجاج به أرجح القولين، إذ قيل: إنَّه كغيره لا يحتجُّ به إلَّا إذا تبين أنَّه عن صحابي، ثمَّ المراد الصحابي حقيقة وحكمًا لا من في حكم التابعين السابق؛ فإنَّ مرسله كمراسيلهم.

قوله: (مَا لَمْ يَسْمَعُوْهُ مِنْهُ)؛ أي: كإخبارهم عن شيءٍ فَعَلَهُ النَّبيُّ أو نحوه ممَّا عُلِمَ أنهم لم يحضروه؛ لصِغَرِ سِنِّهم وقته، أو تَأَخُّرِ إسلامهم عنه.

وقوله: (فَهُوَ حُجَّةٌ)؛ أي: لصحته عند الجمهور، وفي «البخاري»: منه كثيرٌ؛ وذلك؛ لأنَّ أكثر رواية

<<  <   >  >>