للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال النَّوويُّ: إنَّما اختلف أصحابنا المتقدِّمون في معنى قول الشَّافعيِّ: إرسال سعيد بن المسيَّب عندنا حسنٌ على قولين؛ أحدهما: أنها حجَّةٌ عنده، بخلاف غيرها من المراسيل؛ لأنَّها وُجِدت مُسنَدةً، ثانيهما: أنَّها ليست بحجَّةٍ عنده بل كغيرها، وإنَّما رَجَّحَ الشَّافعيُّ بمُرسَله، والتَّرجيح بالمُرسَل جائزٌ.

قال الخطيب: والصَّواب الثَّاني، وأمَّا الأوَّل فليس بشيءٍ؛ لأنَّ في مراسيل سعيدٍ ما لم يوجد بحالٍ من وجهٍ يصحُّ،

قوله: (بَلْ هِيَ كَغَيْرِهَا)؛ أي: في عدمِ الاحتجاج بها إن خَلَت من تلك الشروط لما سَلَفَ من أنَّها ضعيفةٌ؛ للجهل بحال المحذوف، وغايته أنَّه إذا تعارض حديثان موصولان ووجد لأحدهما من مراسيل سعيد موافق رجحه به، فيكون مرسل سعيد كغيره في أنَّه لا يحتجُّ به، وإنَّما يرجح به مقدمًا له عن غيره، قال البيهقي: وزيادة ابن المسيب في هذا على غيره أنَّه أصح التابعين إرسالًا فيما زعم الحفاظ. انتهى.

أي: ولما سلف من استجماعه لتلك الشروط.

قوله: (مَا لَمْ يُوْجَدْ بِحَالٍ) أصلُ عبارة الخطيب: لأنَّ في مراسيل سعيد ما لم يوجد مسندًا بحالٍ من وجهٍ يصح، وبذلك علَّل البيهقي أيضًا، قال النووي: فهذان الإمامان؛ -أي: الخطيب والبيهقي- حافظان فقيهان شافعيان من أرباب الخبرة التامة بنصوص الشافعي ومعاني كلامه. انتهى.

أي: فلا عبرة بقول غيرهما: إنَّ معنى كلام الشافعي في قوله: وإرسال ابن المسيب عندنا حسن، أنَّه حجة عنده، بل معناه أنَّه يُقدَّم الترجيح به، قال النووي أيضًا: ولا يصحُّ تعلق مَن قال إنَّه حجة بقوله: إرساله حسن؛ لأنَّ الشافعي لم يعتمد عليه وحده، بل لِمَا انضم إليه من قول أبي بكر ومَنْ حَضَره من الصحابة وقول أئمة التابعين. انتهى.

أي: في قضية منع بيع اللحم بالحيوان التي ساقها مرسلة لسعيد، وذكر بعدها أنَّ أبا بكر منع ذلك ووافقه من الصحابة والتابعين جمعٌ، فلو سلَّمنا أنَّه احتج به فيما ذكر فإنَّه ليس به وحده بل به وبغيره، فالاحتجاج بالمجموع لا به وحده.

قوله: (مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ) هو من تمامِ كلام الخطيب كما علمت، وقد عرفت أنَّ أصل عبارته: لأنَّ في مراسيل سعيد ما لم يوجد مُسندًا بحالٍ من وجه يصحُّ. والمعنى في مراسيل سعيد ما لم يصح إسناده في وجهٍ من الوجوه، أي: طريق من الطرق.

واعترض بأنَّه لا يُشترط في المسند الذي يُرجَّح به المرسل أن يكون صحيحًا، وبعد ذلك فالتعليل في ذاته غير مُسَلَّم، لما ذكره في «شرح التقريب» مما نصه: تأمل الأئمة المتقدمون مراسيل

<<  <   >  >>