أو مرسلًا أخذ مُرسِله العلم عن غير رجال المُرسَل الأوَّل؛ احتُجَّ به، ومن ثمَّ احتجَّ الشَّافعيُّ بمراسيل سعيد بن المسيَّب؛ لأنَّها وُجدت مسانيدَ من وجوهٍ أُخر.
قوله:(العِلمَ)؛ أي: هذا الحديث أو ما أُخذ منه.
وقوله:(عَنْ غَيْر رِجَالِ المُرْسَلِ الأَوَّلِ)؛ أي: كما ذكره الشافعي قال: أخبرنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن سعيد بن المسيَّب:«أنَّ رسول الله ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ».
فهذا مثال المرسل، ومثال المُعضِّد له ما رواه البيهقي من حديث الحسن، عن سَمُرَة بن جُنْدُب، عن النَّبيِّ ﷺ:«أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَنْ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ».
فاختلفوا في سماع الحسن من سَمُرَة، فمنهم مَن أثبته وحينئذ فيكون مثالًا لما له شاهدٌ مسند، ومنهم من لم يُثبته وحينئذ فيكون مثالًا للمرسل الآخر الذي أخذ مُرْسِلُهُ العلمَ عن غير رجال المرسِل الأوَّل.
قوله:(احْتُجَّ بِهِ)؛ أي: عند أولئك الذين منعوا الاحتجاج به؛ أي: أَنَّهم لم يمنعوا الاحتجاج به مطلقًا، بل ما لم يعتضد بما ذكر، فإن تعضَّد احتجَّ به عندهم، وتبين بذلك صحة المرسل، وأنَّهما؛ أي: المرسل وما عضده صحيحان لو عارضهما صحيح من طريق واحدة رجحناهما عليه إذا تعذر الجمع بينهما، وبهذا مع ما قبله يندفعُ ما يُقال: إذا اعتضد المرسل بمسند فالعمدة على المسند في الحجة ولا حاجة للمرسل. وحاصلُ الجواب: أنَّ ذلك المسند إما أن لا يكون بمفرده حجة بأن كان لا ينتهض إسناده فيكون الاحتجاج حينئذ بالمجموع إذ المُسند وحده حينئذ غير صالحٍ للاحتجاج، وإما أن يكون حجةً بانفراده فيكون دليلًا برأسه، والمُرسل حينئذ يعتضد به فيصير دليلًا آخر فيرجح بهما عند معارضة حديث صحيح واحد.
قوله:(لأَنَّهَا وُجِدَتْ مَسَانِيْدَ)؛ أي: ولجمعها بقية الشروط المُعتبرة عنده، وهي كما قاله النووي كون المرسِل من كبار التابعين، وكونه إذا سَمَّى مَن أرسل عنه سمَّى ثقةً، وإذا شاركه الحفاظ المأمونون لم يخالفوه، وأن يوافق قول صحابي، أو يفتي أكثر العلماء بمقتضاه، أو يكون منتشرًا عند الكافة، أو يوافقه فعل أهل العصر، فما اشتهر عن الشافعي أنَّه لا يحتج بالمرسل إلَّا مراسيل سعيد بن المسيب هو على إطلاقه غلطٌ، بل يحتج بالمرسل بالشروط المذكورة مطلقًا، ولا يحتج بمرسل سعيد إلَّا بها.