لا يقتضي الاتِّصال، بل بلفظٍ موهمٍ له، فلا يقول: أخبرنا، وما في معناها، بل يقول: عن فلانٍ، أو قال فلانٌ، أو أنَّ فلانًا، موهمًا بذلك أنَّه سمعه ممَّن رواه عنه، وإنَّما يكون تدليسًا إذا كان المدلِّس قد عاصر الذي روى عنه، أو لقيه ولم يسمع منه، أو سمع منه ولم يسمع ذلك الذي دلَّسه عنه،
قال: كنا عند ابن عيينة فقال: الزهري، فقيل له: حدَّثكم الزهري؟ فسكت، ثم قال: الزهري، فقيل له: سمِعْتَه من الزهريُّ؟ فقال: لا، ولا ممَّن سمِعَه من الزهريُّ، حدَّثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، وسماه شيخ الإسلام: تدليس القطع.
قُلْتُ: الظاهرُ أن تدليسَ القطع هو ما مثَّل له ابن حجر بما كان يفعله عُمَر (١) بن عبيد فكان يقول: حدَّثنا، ثم يسكت وينوي القطع، ثم يقول: هشام بن عروة، عن عائشة، وهذا هو الرابع، ومن تدليس الإسناد أيضًا تدليس العطف، وهو الخامس، وهو أن يُصَرِّحَ بالحديث عن شيخٍ له ويعطف عليه شيخًا آخر لم يسمع ذلك المروي عنه.
كما ذكره الحاكم في «علوم الحديث»، قال: اجتمع أصحاب هُشيم فقالوا: لا نكتب عنه اليوم شيئًا مما يُدَلِّسُهُ. ففطنَ لذلك، فلما جلسَ قال: حدَّثنا حُصين ومُغيرة، عن إبراهيم، وساق عدة أحاديث، فلما فَرَغ منها قال: هل دَلَّسْتُ لكم شيئًا، قالوا: لا، فقال: بل كلَّما حدَّثتكم عن حُصين فهو سماعي ولم أسمع من غيره من ذلك شيئًا، فهو محمول على أنَّه نوى العطف، فقوله:(وفلان)؛ أي: وحدَّث فلان.
قوله:(لَاْ يَقْتَضِي الْاتِّصَالَ)؛ أي: لئلا يكون كذبًا محضًا.
قوله:(قَدْ عَاصَرَ الْذِي رَوَى عَنْهُ) جعلَ هذا شيخُ الإسلامِ إرسالًا خفيًّا وخصّ التدليسَ بقسم اللُّقي وخرج بالمعاصرة على ما ذكره الشارح وما بعدها ما إذا روى عمَّن لم يدركه رأسًا بلفظٍ مُوهم فليس بتدليسٍ على المشهور وهو الصحيح، وقال قوم: إنه تدليس، فحدُّوْهُ بأنْ يحدِّث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظٍ لا يقتضي تصريحًا بالسماع، قال ابن عبد البر: وعليه فما سَلِم من التدليس أحد!.
وتركَ الشارح شرطًا ثانيًا لهذا النوع: وهو أن لا يكون الراوي صحابيًّا فإن كان صحابيًّا وروى حديثًا