فلا يُقبَل ممَّن عُرِف بذلك إلَّا ما صَرَّح فيه بالاتِّصال، كـ «سمعت»، وفي «الصَّحيحين» من حديث أهل هذا القِسم المصرَّح فيه بالسَّماع كثيرٌ؛ كالأعمش وقَتادة والثَّوريِّ، وما فيهما من حديثهم بالعنعنة ونحوها محمولٌ على ثبوت السَّماع عند المخرِّج من وجهٍ آخر، ولو لم نطَّلع عليه؛ تحسينًا للظَّنِّ بصاحبي الصَّحيح.
لم يسمعه من النَّبيِّ ﷺ بل من صحابي آخر فيسمى مرسل صحابي، ولا يسمى تدليسًا؛ تأدُّبًا في حق الصحابة، فجُملة شروط هذا النوع أعني تدليس الإسناد شرطان: المعاصرة على غير مذهبِ شيخ الإسلام أو اللُّقي مع عدم السماع رأسًا أو سماع غير هذا الحديث، وكونه غير صحابي كما ذكره شيخ الإسلام، قلت: ومقتضاه أنَّه لو كان تابعيًا يسمى تدليسًا، وعليه فيكون المرسِلُ مُدَلِّسًا؛ فليُنظر.
قوله:(مِمَّنْ عُرِفَ بِذَلِكَ)؛ أي: التَّدْليس؛ لأنَّه قادحٌ في حقِّ من فعله، قال شيخ الإسلام: لا شكَّ أنَّه جرحٌ وإن وُصِفَ به الثوريُّ والأعمشُ فإنهما إنَّما كانا يفعلانه في حقِّ من يكون ثقة عندهما ضعيفًا عند غيرهما، وهو مكروه جدًا، لا حرام؛ لأنَّه ليس كذبًا، وإنَّما هو تحسين لظاهر الإسناد، وضرب من الإبهام بلفظٍ محتمل.
قوله:(إِلَّاْ مَا صَرَّحَ فِيْهِ بِالاتِّصَالِ)؛ أي: بأن قال راويه: حدَّثني فلان أو سمعت أو نحو ذلك فهو
مقبولٌ يُحتج به، وإن كان راويه مشهورًا بالتدليس؛ لأنَّه صرح بالسماع في هذا المروي بخصوصه فعلم أنَّه لم يدلس فيه، والغرض أنَّه ثقة، وإذا قيل ذلك ممن اشتهر بالتدليس فممَّن لم يشتهر به أولى، كما رَوَى مالكٌ، عن ثور، عن ابن عباس. فإنَّ مالكًا لم يَلْق ثورًا وإنَّما روى عن عكرمة، فإذا روى عنه بالسماع قُبِلَ وكان محتجًا به وحُمل على سماعه منه وإن لم نطَّلِعْ عليه، وإذا روى بالعنعنة ونحوها لم يُقبل إلَّا ممَّن التزم تخريج الصحيح كالبخاري ونحوه، وحُمل أيضًا على ثبوت السماع من طريق أخرى عند ذلك المخرِّج، ولذا وقع في الصحيحين من ذلك كثير كما ذكره الشارح، وإنَّما آثرا هذه الطريق على طريق التصريح بالسماع لكونها على شرطهما دون تلك، والتفصيل الذي جرى عليه الشارح هو مذهب أكثر الفقهاء والمحدثين والأصوليين، وهو قول الشافعي ويحيى بن معين وابن المديني، وصححه الخطيب وابن الصلاح.
وقيل: مردودٌ مطلقًا بَيَّنَ الاتصالَ أم لا، كان التدليس عن ثقة أو عن غيره، ندر أم لا، حكاه ابن الصلاح عن فريق من الفقهاء والمحدِّثين؛ إذ التدليس في ذاته جَرْحٌ لما فيه من التُّهمةِ والغشِّ، وقيل: مقبول مُطلقًا كالمرسل عند مَن يحتج به.