للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السحر فلا يجر خللاً لمنصب النبوه، لأن المرض الذي لا نقص فيه في الدنيا يقع للأنبياء ويزيد في درجاتهم في الآخرة، فإذا خيل له بسبب مرض السحر أنه يفعل شيئا من أمور الدنيا وهو لم يفعله ثم زال ذلك عنه بالكلية بسبب إطلاع الله تعالى له على مكان السحر وإخراجه إياه من محله ودفنه فلا نقص يلحق الرسالة من هذا كله، لأنه مرض كسائر الأمراض، لا تسلط له على عقله، بل هو خاص بظاهر جسده كبصره حيث صار يخيل إليه تارةً فعل الشيء من ملامسة بعض أزواجه وهو لم يفعله وهذا في زمن المرض لا يضر، والعجب ممن يظن هذا الذي وقع من المرض بسبب السحر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قادحاً في رسالته مع ما هو صريح في القرآن في قصة موسى مع سحرة فرعون، حيث صار يخيل إليه من سحرهم أن عصيهم تسعى، فثبته الله كما دل عليه قوله تعالى {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تلقف ما صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (٧٠)} (١)، ولم يقل أحد من أهل العلم ولا من أهل الذكاء أن ما خُيل لموسى أولاً من سعي عصي السحرة قادحاً في رسالته، بل وقوع مثل هذا للأنبياء يزيد من قوة الإيمان بهم، لكون الله ينصرهم على أعدائهم، ويخرق لهم العادة بالمعجزات الباهرة، ويخذل السحرة والكفرة ويجعل العاقبة للمتقين». (٢)

وقال القاضي عياض رحمه الله: في «الشفاء» في رده على من ينكر حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن يقول بأنه فيه تشكيكاً في الشرع.


(١) سورة طه الآية ٦٨ - ٧٠.
(٢) زاد المسلم (٤/ ٢٢).

<<  <   >  >>