للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعلمون أن هذه من مصر؟ قالوا: بلى، فقال: فإن أمير المؤمنين عهد إليّ، وأمرني إن لحقني كتابه ولم أدخل مصر أن أرجع، وإن لم يلحقني كتابه حتى دخلنا أرض مصر؛ فسيروا وامضوا على بركة الله.

فتقدم عمرو بن العاص. فلما بلغ المقوقس قدوم عمرو، توجه إلى الفسطاط، فكان يجهز على عمرو الجيوش، فكان أول موضع قوتل فيه الفرما، قاتله الروم قتالًا شديدًا نحوًا من شهر، ثم فتح الله على يديه. وكان بالإسكندرية

أسقف للقبط، يقال له أبو بنيامين (١) ، فلما بلغه قدوم عمرو بن العاص، كتب إلى القبط يعلمهم أنه لا يكون للروم دولة، وأن ملكهم قد انقطع، ويأمرهم بتلقي عمرو، فيقال إن القبط الذين كانوا بالفرما كانوا يومئذ لعمرو أعوانًا. ثم توجه عمرو؛ لا يُدافع إلا بالأمر الخفيف، حتى نزل القواصر. فنزل ومن معه، فقال بعض القبط لبعض: ألا تعجبون من هؤلاء القوم، يقدمون على جموع الروم، وهم في قلة (٢) من الناس! فأجابه رجل آخر منهم إن هؤلاء القوم لا يتوجهون إلى أحد إلا ظهروا عليه، حتى يقتلوا أخيرهم (٣) ، فتقدم عمرو لا يُدافع إلا بالأمر الخفيف، حتى أتى بلبيس، فقاتلوه بها نحوًا من شهر، حتى فتح الله عليه، ثم مضى لا يدافع إلا بالأمر الخفيف، حتى أتى أم دنين، فقاتلوه بها قتالًا شديدًا.

وأبطأ عليه الفتح، فكتب إلى عمر يستمده، فأمده بأربعة آلاف، تمام ثمانية آلاف، فسار عمرو بمن معه حتى نزل على الحصن، فحاصرهم بالقصر الذي يقال له بابليون حينًا، وقاتلهم قتالًا شديدًا؛ يصبحهم ويمسيهم. فلما أبطأ عليه الفتح، كتب إلى


(١) في الأصول: "ميامين"، وما أثبتاه من فتوح مصر.
(٢) فتوح مصر: "وإنما هم في قلة".
(٣) ابن عبد الحكم: "خيرهم".