قال ابن فضل الله في المسالك: إن قاعدة الخلافة أول ما كانت المدينة شرفها الله مدة أبي بكر وعمر وعثمان، فلما انتهت الخلافة إلى علي انتقل من المدينة إلى الكوفة، واتخذها قاعدة خلافته، وربما استوطن البصرة. وجاء ابنه الحسن والكوفة قاعدة خلافته على ما كان عليه أبوه، فلما ولي معاوية انتقلت قاعدة الخلافة إلى دمشق، واستقرت قاعدة لبني أمية؛ وإن كان هشام قد سكن الرصافة، وعمر بن عبد العزيز خناصرة، فأنهما لم يكونا قاعدتي خلافه؛ لأنهما سكناهما غير مفارقين لدمشق، بل هي القاعدة والمعتمدة بأنها مستقر الخلافة، ولم تزل كذلك إلى آخر الدولة الأموية. فلما ملك السفاح سكن الأنبار، فلما ولي المنصور بني الهاشمية وسكنها، ثم بغداد، فصارت قاعدة الخلافة له ولبنيه إلى المعتصم؛ فبنى سر من رأى، فانتقلت قاعدة الخلافة إليها. ثم بنى ابنه هارون الواثق إلى جانبها الهارونية، فانتقلت قاعدة الخلافة إليها. ثم بنى أخوه جعفر المتوكل إلى جانبها الجعفرية، فانتقلت قاعدة الخلافة إليها، ثم عادت قاعدة الخلافة إلى بغداد في زمن المعتمد إلى المستعصم الذي قتلته التتار، فانتقلت قاعدة الخلافة إلى مصر.
قال: فانظر كيف تنقلت قواعد الخلافة من بلد إلى بلد بتنقل الزمان، وقد كانت بخارى قاعدة السلطنة زمن بني ساسان، ثم صارت غزنة مكان محمود بن سبكتكين وبنيه، ثم همدان زمان الدولة السلجوقية، ثم خوارزم مكان الملوك الخوارزمية، ثم دمشق زمان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، ثم مصر من زمن السلطان صلاح الدين