للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المقوقس

قال ابن عبد الحكم: حدثنا هشام بن إسحاق وغيره، قال: لما كانت سنة ست من الهجرة (١) ، ورجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحديبية بعث إلى الملوك، فبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فمضى حاطب بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما انتهى إلى الإسكندرية، وجد المقوقس في مجلس يشرف (٢) على البحر، فركب البحر؛ فلما حاذى مجلسه، أشار بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين إصبعيه، فلما رآه أمره بالكتاب فقُبِض، وأمر به فأوصل إليه، فلما قرأ الكتاب (٣) قال: ما منعه إن كان نبيًّا أن يدعو عليَّ فيسلط عليَّ! فقال له: ما منع عيسى بن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يُفعل به ويُفعل! فوجم ساعة، ثم استعادها فأعادها حاطب عليه، فسكت، فقال له حاطب: إنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فانتقم الله به ثم انتقم منه؛ فاعتبر بغيرك، ولا تعتبر بك. وإن لك دينًا لن تدعه إلا لما هو خير منه، وهو الإسلام الكافي به الله فَقْدَ ما سواه، وما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به، ثم قرأ الكتاب، فإذا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى؛ أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، فأسلم تسلم ويؤتك الله أجرك مرتين، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ


(١) فتوح مصر: "من مهاجرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
(٢) فتوح مصر: "مشرف".
(٣) كذا في فتوح مصر، والأصل وفي ط: "فقرئ".