[ذكر سلاطين مصر الذين فوض إليهم خلفاء مصر العباسيون فاستبدوا بالأمر دونهم:]
أولهم الملك الظاهر ركن الدين، أبو الفتح بيبرس البندقداري. ولما فوض إليه خليفة مصر لقبه قسيم أمير المؤمنين وهو أول من لقب بها، وكان الملوك قديمًا يكتب أحدهم من جهة الخليفة:"مولى أمير المؤمنين" أي عتيقه، ويكتب هو إلى الخليفة "خادم أمير المؤمنين"، فإن زيد في تعظيمه لقب "ولي أمير المؤمنين"، ثم "صاحب أمير المؤمنين"، ثم "خليل أمير المؤمنين"، وهو أعلى ما لقب به ملوك بني أيوب، فلقب الظاهر هذا قسيم أمير المؤمنين؛ وهو أجل من تلك الألقاب، وكان في الظاهر محاسن وغيرها، وظلم أهل الشام غير مرة، وأفتاه جماعة بموافقة هواه، فقام الشيخ محيي الدين النووي في وجهه، وأنكر عليه، وقال: أفتوك بالباطل! وكان بمصر منقمعًا تحت كلمة الشيخ عز الدين بن عبد السلام، لا يستطيع ان يخرج عن أمره، حتى إنه قال لما مات الشيخ: ما استقر ملكي إلا الآن.
ومن محاسنه ما حكاه ابن كثير في تاريخه أنه حضر في يوم الثلاثاء تاسع رجب سنة ستين إلى دار العدل في محاكمة في بئر بين يدي القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز، فقام الناس سوى القاضي، فإنه أشار إليه ألا يقوم، فقام هو وغريمه بين يدي القاضي وتداعيا، وكان الحق بيد السلطان، وله بينة عادلة به، فانتزعت البئر من يد الغريم وهو أحد الأمراء.
والظاهر هو الذي أكمل عمارة المسجد النبوي من الحريق، وكان الخليفة المستعصم شرع فيه بعد أن احترق، فقتل قبل أن يتم، فجهز الظاهر في رمضان سنة