للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر البشارة بوفاء النيل:]

جرت العادة كل سنة إذا وفي النيل أن يرسل السلطان بشيرًا بذلك إلى البلاد لتطمئن قلوب العباد، وهذه عادة قديمة، ولم يزل كتاب الإنشاء ينشئون في ذلك الرسائل البليغة؛ فمن إنشاء القاضي الفاضل في وفاء النيل عن السلطان صلاح الدين بن أيوب:

نعم الله سبحانه وتعالى من أضوئها بزوغا، وأخفاها سبوغًا، وأصفاها ينبوعا، وأسناها منفوعا، وأمدها بحر مواهب، وزختمها حسن عواقب. النعمة بالنيل المصري الذي يبسط الآمال، ويقبضها مده وجزره، ويرمي النبات حجره، ويحيي مطلعه الحيوان، ويجني ثمرات الأرض صنوانا وغير صنوان، وينشر مطوي حريريها وينشر مواتها، ويوضح معنى قوله تعالى: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} (١) .

وكان وفاء النيل المبارك تاريخ كذا، فأسفر وجه الأرض وإن كان تنقب، وأمن يوم بشراه من كان خائفا يترقب، ورأينا الإبانة عن لطائف الله التي خفقت الظنون، ووفت بالرزق المضمون، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (٢) . وقد أعلمناك لتستوفي حقه من الإذاعة، وتبعده من الإضاعة، وتتصرف على ما نصرفك من الطاعة، وتشهر ما أورده البشير من البشرى بإبانته، وتمده بإيصال رسمه مهنى على عادته (٣) .

وكتب القاضي محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر عن السلطان إلى نائب السلطنة يحلب بشارة بوفاء النيل:


(١) سورة فصلت آية: ١٠.
(٢) سورة الأنعام آية: ٩٩.
(٣) ثمرات الأوراق "على هامش المستطرف" ٢: ٦٠، ٦١.