فكم بها من متهم ومنجد، ومسافر مما حصل له من المقيم المقعد. وحائك أصبح حول نوله ينير، وجعل من غزله بل من غيظه على أجيره يحمل ويسير. ومنجم وصل الماء من منزله إلى العتبة الخارجة فأصبح في أنحس تقويم، ودخل إلى بيت أمراضه {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ، فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} ، فأصبح في الطريق وعليه كآبة وصفرة، ودموعه في المحاجر كالحصى لها اجتماع وحمرة. وشاعر أوقعه في الضرورة بحره المديد، واشتغل بهدم داره عن بيت القصيد، وعروضي ضاقت عليه الدائرة: هذه الفاصلة، وقلع من عروض بيته وتدًا أزعج بقلعه مفاصله. ونحوي اشتغل عن زيد وعمرو يبل كتبه، وذهل حين استوى الماء والخشبة، عن المفعول معه والمفعول به، وطار عقله ولا سيما عن تصانيف ابن عصفور، وأخبر أن البحر وأثاث بيته جار ومجرور.
وأما الجزيرة الوسطى فقد أفسد جل ثمارها، وأتى على مقاتيها فلم يدع شيئًا من رديها وخيارها، وألحق موجدها بالمعدوم، وتلا علي التكروري {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} ، وأخلق ديباج روضها الأنف، وترك قلقاسها بمده وجزره على شفا جرف.
وأما المنشأة فقد أصبحت للهجر مقرة، بعد أن كانت للعيون قرة، وقيل لمنشيها:{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} ، فقال:{يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ
مَرَّة} . ومال على ما فيها من شون الغلات كل الميل، وتركها تتلو بفمها الذي شقتاه مصراعا الباب:{يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْل} .
وأما بولاق فقد أصبحت صعيدًا زلقًا من الملق، وقامت قيامة المار بها حين التفت الساق بالساق من الزلق، فكم اقتلع بها شجرة لبت رءوسها، وترك ساقية تنوح على أختها التي أصبحت خاوية على عروشها.
وأما الخليج الحاكمي فقد خرج عسكر موجه بعد الكسر على حمية، ومرق من قسي قناطره كالسهم من الرمية، وتواضع حين قبل بحارة زويلة عتاب غرفها العالية وترك الساقين في حالة العجز عن وصفها صريع الدلاء وحماد الراوية. فأصبحوا من الكساد وقد سئموا الإقامة، قائلين في شوارع مصر: يا الله السلامة.