للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر بقية لطائف مصر:]

قال الكندي: ذكر يحيى بن عثمان، عن أحمد بن الكريم، قال: جلت للدنيا، ورأيت آثار الأنبياء والملوك والحكماء، ورأيت آثار سليمان بن داود عليهما السلام ببيت المقدس، وتدمر والأردن، وما بنته الشياطين، فلم أر مثل برابي مصر ولا مثل حكمتها، ولا مثل الآثار التي بها، والأبنية التي لملوكها وحكمائها. ومصر ثمانون كورة، ليس منها كورة إلا وفيها ظرائف وعجائب من أصناف الأبنية والطعام والشراب والفاكهة والنبات وجميع ما ينتفع به الناس، ويدخره الملوك، وصعيدها أرض حجازية، حرها كحر الحجاز، تنبت النخل والأراك والقرظ والدوم والعشر، وأسفل أراضي مصر شامية تمطر مطر الشام، وتنبت نبات الشام من الكرم والتين والموز وسائر الفاكهة، والبقول والرياحين. ويقع به الثلج، ومنها لوبية ومراقية (١) برابي وجبال وغياض، وزيتون وكروم برية بحرية جبلية، بلاد إبل وماشية، ونتاج وعسل ولبن. وكل كورة (٢) من مصر مدينة، قال تعالى: {وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} ، وفي كل مدينة منها آثار عجيبة من الأبنية والصخور والرخام والبرابي، وتلك المدن كلها تأتي منها السفن، تحمل المتاع والآلة إلى الفسطاط، تحمل السفينة الواحدة ما تحمله خمسمائة بعير.

قال الكندي: وليس في الدنيا بلد يأكل أهله صيد البحر طريًّا غير أهل مصر.

قال: وذكر بعض أهل العلم أنه ليس في الدنيا شجرة إلا وهي بمصر، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها.


(١) قال ياقوت: "مراقية بالفتح والقاف والياء مخففة؛ إذا قصد القاصد من الإسكندرية إلى إفريقية فأول بلد يلقاه مراقية، ثم لوبية".
(٢) الكورة في اصطلاح القدماء: كل صقع يشتمل على عدة قرى، ولا بد لتلك القرى من قصبة أو مدينة أو نهر يجمع اسمها، وانظر معجم البلدان ١: ٣٦.