وسلم، ووعظ الناس، وأمرهم ونهاهم، ثم قال: يا معشر الناس إنه قد نزلت الجوزاء، وذكت الشعرَى، وأقلعت السماء، وارتفع الوباء، وقل النداء، وطاب المرعى، ووضعت الحوامل، ودرجت السخائل، وعلى الراعي حسن النظر لرعيته، فحي لكم على بركة الله ريفكم،
تنالوا من خيره ولبنه، وخرافه وصيده، وأربعوا خيلكم وأسمنوها وصونوها وأكرموها، فإنها جنتكم من عدوكم، وبها مغانمكم وأثقالكم، واستوصوا بمن جاورتموه من القبط خيرًا؛ حدثنا عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"إن الله سيفتح عليكم بعدي مصر، فاستوصوا بقبطها خيرًا، فإن لكم منهم صهرًا وذمة"، فعفوا أيديكم وفروجكم، وغضوا أبصاركم، ولا أعلمن ما أنى رجل قد أسمن جسمه، وأهزل فرسه. واعلموا أني معترض بالخيل كاعتراض الرجال؛ فمن أهزل فرسه من غير علة حططت من فريضته قدر ذلك. واعلموا أنكم في رباط إلى يوم القيامة؛ لكثرة الأعداء حولكم وتشوق قلوبهم إليكم وإلى دياركم، معدن الزرع والمال، والخير الواسع والبركة النامية. وحدثني عمر أمير المؤمنين، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض"، فقال له أبو بكر: ولِمَ يا رسول الله؟ قال:"لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة"، فاحمدوا الله معاشر المسلمين على ما أولاكم، فتمتعوا في ريفكم ما طاب لكم؛ فإذا يبس العود وسخن العمود، وكثر الذباب، وحمض اللبن، وصوح البقل، وانقطع الورد من الشجر، فحي على فسطاطكم، على بركة الله تعالى وعونه ولا يقدمنّ أحد منكم ذو عيال على عياله إلا ومعه تحفة لعياله على ما أطاق من سعته أو عسرته؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله، وأستحفظ الله عليكم.
قال حفظت ذلك عنه، فقال والدي: يا بني إنه يُجرئ الناس إذا أنصرفو إليه على الرباط كما جرأهم على الريف والدعة (١) .