للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مبينا ما هنالك بما حواه من مدارك الفهوم، مبرزا في العلوم النقلية والعقلية، والمسالك الأثرية والمدارك النظرية، بحيث يقضى له من كل علم بالجميع، وسمع بمصر والشام والحجاز، على تحر في ذلك واحتراز، ولم يزل حافظا للسانه، مقبلا على شأنه، وقف نفسه على العلوم وقصرها، ولو شاء العاد أن يحصر كلماته لحصرها؛ ومع ذلك فله بالتجريد تخلق، وبكرامات الصالحين تحقق، وله مع ذلك في الأدب باع، وكرم طباع، لم يخل في بعضها من حسن انطباع، حتى لقد كان الشهاب محمود الكاتب المحمود في تلك المذاهب، يقول: لم تر عيني آدب منه. وقال أبو حيان: هو أشبه من رأيناه يميل إلى الاجتهاد.

قال الشيخ تاج الدين السبكي: ولم أر أحدا من أشياخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس المائة السابعة، المشار إليه في الحديث؛ فإنه أستاذ زمانه علما ودينا.

وله مصنفات، منها الإلمام في الحديث وشرحه الذي لم يؤلف أعظم منه لما فيه من الاستنباطات العظيمة، وشرح العمدة، والاقتراح في مصطلح الحديث، وشرح العنوان في أصول الفقه، وكتاب في أصول الدين، وله ديوان خطب، وشعر حسن.

مات يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة اثنتين وسبعمائة (١) .

ورثاه الشرف محمد بن محمد بن عيسى القوصي بقوله:

سيطول بعدك في الطلول وقوفي ... أروي الثرى من مدمعي المذروف

أبكي على فقد العلوم بأسرها ... والمكرمات بناظر مطروف

أمحمد بن علي بن وهب دعوة ... من قلب مشجون الفؤاد أسيف

لو كان يقبل فيك حتفك فدية ... لفديت من علمائنا بألوف

أو كان من جمر المنايا مانع ... منعتك سمر قنا وبيض سيوف


(١) طبقات الشافعية ٦: ٢-٢٢.