للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما رأى الملك رؤياه التي رآها وعبرها يوسف، أرسل إليه فأخرجه من السجن، ودفع إليه خاتمه، وولاه ما خلف آباؤه، وألبسه طوقا من ذهب وثياب حرير، وأعطاه دابة مسرجة مزينة كدابة الملك، وضرب بالطبل بمصر أن يوسف خليفة الملك (١) .

وما أحسن قول بعضهم:

أما في رسول الله يوسف أسوة ... لمثلك محبوسا على الظلم والإفك

أقم جميل الصبر في الحبس برهة ... فآل به الصبر الجميل إلى الملك

قال ابن عبد الحكم: حدثنا أسد بن موسى، حدثني الليث بن سعد، حدثني بعض مشيخة لنا، قال: اشتد الجوع على أهل مصر، فاشتروا الطعام من يوسف

بالذهب حتى لم يجدوا ذهبا، فاشتروا بالفضة حتى لم يجدوا فضة، فاشتروا بأغنامهم حتى لم يجدوا غنما؛ فلم يزل يبيعهم الطعام حتى لم يبق لهم فضة ولا ذهبا ولا شاة ولا بقرة (٢) في تلك السنتين، فأتوه في الثالثة، فقالوا له: لم يبق لنا شيء إلا أنفسنا وأهلونا وأرضونا. فاشترى يوسف أرضهم كلها لفرعون، ثم أعطى لهم يوسف طعاما يزرعونه على أن لفرعون الخمس (٣) .

قال ابن عبد الحكم: وفي ذلك الزمان استنبطت الفيوم، وكان سبب ذلك كما حدثنا هشام بن إسحاق أن يوسف عليه الصلاة والسلام لما ملك مصر، وعظمت منزلته من فرعون، وجاوزت سنه (٤) مائة سنة، قال وزراء الملك له: إن يوسف قد ذهب علمه، وتغير عقله، ونفدت حكمته، فعنفهم فرعون، ورد عليهم مقالتهم، فكفوا: ثم عاودوه بذلك القول بعد سنين، فقال لهم: هلموا ما شئتم من أي شيء أختبره به.


(١) فتوح مصر ١٢-١٣ مع اختلاف في النص.
(٢) ابن عبد الحكم: "حتى لم يبق لهم فضة ولا ذهب".
(٣) فتوح مصر ١٣-١٤.
(٤) كذا في الأصل وفتوح مصر، وفي ح، ط: "وجاوزت منه سنة".