للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيت المقدس. ثم إن بخت نصر رد أهل مصر إليها بعد أربعين سنة، فعمروها، فلم تزل مصر مقهورة من حينئذ (١) .

ثم ظهرت الروم وفارس على سائر الملوك الذين في وسط الأرض، فقاتلت الروم أهل مصر ثلاث سنين يحاصرونهم. وصابروهم القتال في البر والبحر؛ فلما رأى ذلك أهل مصر صالحوا الروم، على أن يدفعوا لهم شيئا مسمى في كل عام، على أن يمنعوهم ويكونوا في ذمتهم، ثم ظهرت فارس على الروم، فلما غلبوهم على الشام، رغبوا في مصر، وطمعوا فيها، فامتنع أهل مصر، وأعانتهم الروم، وقاتلت دونهم، وألحت عليهم فارس، فلما خشوا ظهورهم عليهم صالحوا فارس، على أن يكون ما صالحوا عليه الروم بين الروم وفارس، فرضيت الروم بذلك حين خافت ظهور فارس عليها، فكان ذلك الصلح على مصر، وأقامت مصر بين الروم وفارس سبع سنين، ثم استجاشت الروم، وتظاهرت على فارس، وألحت بالقتال والمدد، حتى ظهروا عليهم وخربوا مصانعهم أجمع، وديارهم التي بالشام ومصر، وكان ذلك في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وفيه نزلت: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} (٢) الآية، فصارت الشام كلها صلحًا ومصر خالصًا للروم، وليس لفارس في الشام ومصر شيء (٣) .

قال الليث بن سعد: وكانت الفرس قد أسست بناء الحصن الذي يقال له سبيل، أليون (٤) ، وهو الحصن الذي بفسطاط مصر اليوم؛ فلما انكشفت جموع فارس وأخرجتهم الروم من الشام، أتمت الروم بناء ذلك الحصن، وأقامت به،

وأرسل هرقل المقوقس أميرا على مصر، وجعل إليه حربها وجباية خراجها، فنزل الإسكندرية، فلم تزل في ملك الروم حتى فتحها الله تعالى على المسلمين (٥) .

قال صاحب مباهج الفكر: هذا الحصن يُسمى قصر الشمع.


(١) فتوح مصر ٣٠-٣١.
(٢) سورة الروم: ١، ٢.
(٣) فتوح مصر ٣٥.
(٤) فتوح مصر: "باب أليون".
(٥) فتوح مصر ٣٥.