للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى ابن عساكر عن بعض مشايخ مصر أن طولون لم يكن أبا أحمد؛ وإنما تبناه وأمه جارية، تركية اسمها هاشم، وكان الأتراك طلبوا منه أن يقتل

المستعين، ويعطوه واسِطًا فأبى وقال: والله لا تجرأت على قتل أولاد الخلفاء، فلما ولي مصر، قال: لقد وعدني الأتراك إن قتلت المستعين أن يولوني واسطًا، فخفت الله ولم أفعل، فعوضني ولاية مصر والشام وسعة الأحوال.

قال محمد بن عبد الملك الهمداني في كتاب عنوان السير: قال بعض أهل مصر: جلسنا في دكان، ومعنا أعمى يدعي علم الملاحم -وذلك قبل دخول أحمد بن طولون بساعة- فسألناه عما يجده في الكتب لأجله، فقال: هذا رجل من صفته كذا وكذا، يتقلد هو وولده قريبًا من أربعين سنة؛ فما تم كلامه حتى اجتاز أحمد، فكانت صفته وولايته وولاية ولده كما قال.

وقال بعض أصحابه: ألزمني ابن طولون صدقاته، وكانت كثيرة، فقلت له يومًا: ربما امتدت إليَّ اليد المطوقة بالجوهر، والمعصم ذو السوار، والكم الناعم، أفأمنع هذه الطبقة! فقال: هؤلاء المستورون الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، أحذر أن ترد يدًا امتدت إليك، وأعط من استعطاك، فعلى الله تعالى أجره؛ وكان يتصدق في كل أسبوع بثلاثة آلاف دينار سادة سوى الراتب، ويُجري على أهل المساجد في كل شهر ألف دينار، وحمل إلى بغداد في مدة أيامه، وما فرق على العلماء والصالحين ألفي ألف دينار ومائتي ألف دينار، وكان خراج مصر في أيامه أربعة آلاف دينار وثلاثمائة ألف دينار، وكان لابن طولون ما بين رحبة مالك بن طوق إلى أقصى المغرب.

واستمر ابن طولون أميرًا بمصر إلى أن مات بها ليلة الأحد لعشر خلون من ذي القعدة سنة سبعين ومائتين، وخلف سبعة عشر ابنًا. قال بعض الصوفية: ورأيته في المنام بعد وفاته بحال حسنة، فقال: ما ينبغي لمن سكن الدنيا أن يحقر حسنة فيدعها ولا