للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما دخل سنة سبع وستين أمر الملك صلاح الدين بإقامة الخطبة لبني العباس بمصر في أول جمعة من المحرم، وبالقاهرة في الجمعة الثانية، وكان ذلك يوما مشهودا؛ والعجب أن أول من خطب للمعز حين أخذت مصر عمر بن عبد السميع العباسي الخطيب بجامع عمرو وبجامع ابن طولون؛ فكان أول من خطب لبني العباس هذه النوبة شريف علوي، يقال له: محمد بن الحسن بن أبي الضياء البعلبكي. ولما بلغ الخبر نور الدين أرسل إلى الخليفة المستضيء يعلمه بذلك، فزينت بغداد، وغلقت الأسواق وعملت القباب، وفرح المسلمون فرحا شديدا، قال ابن الجوزي: وقد ألفت في ذلك كتابا سميته: "النصر على مصر". وكتب العماد الكاتب عن السلطان صلاح الدين إلى الملك نور الدين يبشره بذلك:

قد خطبنا للمستضيء بمصر ... نائب المصطفى إمام العصر

في أبيات ذكرتها في تاريخ الخلفاء (١) .

وقال بعض شعراء بغداد في ذلك (٢) :

ليهنك يا مولاي فتح تتابعت ... إليك به خوص الركائب توجف

أخذت به مصراً وقد حال دونها ... من الشرك ناس في لها الحق تقذف (٣)

فعادت بحمد الله باسم إمامنا ... تتيه على كل البلاد وتشرف


(١) تاريخ الخلفاء ٤٤٦، وبعده هناك:
وخذلنا لنصره العضد العا ... ضد والقاصر الذي بالقصر
وتركنا الدعي يدعو ثبورا ... وهو بالذل تحت حجر وحصر
(٢) هو شمس المعالي أبو الفضائل الحسين بن تركمان؛ ذكره أبو شامة في الروضتين ١/: ١٩٧، قال: "وكان حاجب بن هبيرة، قالها حين سمع تأويل رؤيا منامية، ومطلع الأبيات هناك:
لتهنك يا مولى الأنام بشارة ... بها سيف دين الله بالحق مرهف
(٣) كذا في الأصل والروضتين وفي ط: "فيهم الحق يقذف" بعده في الروضتين:
وقد دنست فيها المنابر عصبة ... يعاف التقي والدين منهمو يأنف
فطهرها من كل شرك وبدعة ... أغر غرير بالمكارم يشغف