وإذا فعلت ذلك كنت أزلت عن الماضي سنة سوء سنتها يداه، وعن الآتي متابعة ظلم وجده طريقا مسلوكا فجرى على ما بداه، فبادر إلى ما أمرت به مبادرة من يضيق به ذرعًا، ونظر إلى الحياة الدنيا بعينها، فرآها في الآخرة متاعًا. واحمد الله على أن قيض لك إمام هدى يقف بك على هداك، ويأخذ بحجزتك عن خطوات الشيطان الذي هو أعدى عداك؛ وهذه البلاد المنوطة بنظرك تشتمل على أطراف متباعدة، وتفتقر في سياستها إلى أيد متساعدة؛ ولهذا يكثر بها قضاة الأحكام، وأولو تدابيرات السيوف والأقلام؛ وكل من هؤلاء ينبغي أن يفتن على نار الاختبار، ويسلط عليه شاهد عدل من أمانة الدرهم والدينار، فما أضل الناس شيء كحب المال الذي فورقت من أجله الأديان، وهجرت بسببه الأولاد والإخوان؛ وكثيرا ما يرى الرجل الصائم القائم، وهو عابد له عبادة الأوثان؛ فإذا
استعنت بأحد منهم على شيء من أمرك، فاضرب عليه بالأرصاد، ولا ترض بما عرفته من مبدأ حاله فإن الأحوال تنقل بنقل الأجساد. وإياك أن تخدع بصلاح الظاهر كما خدع عمر بن الخطاب بالربيع بن زياد.
وكذلك نأمر هؤلاء على اختلاف طبقاتهم بأن يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر محاسبين؛ ويعلموا أن ذلك من دأب حزب الله الذين جعلهم الغالبين، وليبدءوا أولًا بأنفسهم فيعدلوا عن هواها، ويأمروها بما يأمرون به سواها، ولا يكونوا ممن هدي إلى طريق البر وهو عنها حائد، وانتصب لطب المرضى وهو محتاج إلى طبيب وعائد؛ فما تنزل بركات السماء إلا على من خاف مقام ربه، وألزم التقوى أعمال يده ولسانه وقلبه؛ فإذا صلحت الولاة صلحت الرعية بصلاحهم؛ وهو لهم بمنزلة المصابيح ولا يستضيء كل قوم إلا بمصباحهم. ومما يؤمرون به أن يكونوا لمن تحت أيديهم إخوانا في الأصحاب، وجيرانا في الاقتراب، وأعوانا في توزع الحمل الذي يثقل على الرقاب؛ فالمسلم أخو المسلم وإن كان عليه أميرًا، وأولى الناس باستعمال الرفق من كان فضل الله