للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عسكر تونس، وخطب بها لبني العباس. ولو لم يقع الخلف بين عسكره الذين جهزهم إلى المغرب لملك الغرب بأسره، ولم يختلف عليه مع طول مدته أحد من عسكره على كثرتهم. وكان الناس يأمنون ظلمه لعدله، ويرجون رفده لكثرته، ولم يكن لمبطل ولا لصاحب هزل عنده نصيب. وكان إذا قال صدق، وإذا وعد وفى، وإذا عاهد لم يخن.

وكان رقيق القلب جدًّا، ورحل إلى الإسكندرية بولديه الأفضل والعزيز لسماع الحديث من السلفي، ولم يعهد ذلك لملك بعد هارون الرشيد، فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون إلى الإمام مالك لسماع الموطأ. هذا كله كلام السبكي في الطبقات (١) .

قال: ومن الكتب والمراسيم عنه في النهي عن الخوض في الحرف والصوت؛ وهو من إنشاء القاضي الفاضل: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ... } (٢) الآية خرج أمرنا إلى كل قائم في صف، أو قاعد في إمام وخلف؛ ألا نتكلم في الحرف بصوت، ولا في الصوت بحرف، ومن تكلم بعدها كان الجدير بالتكليم، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٣) ، ويسأل النواب القبض على مخالفي هذا الخطاب، وبسط العذاب، ولا يسمع لمتفقه في ذلك تحرير جواب، ولا يقبل عن هذا الذنب متاب. ومن رجع إلى هذا الإيراد بعد الإعلان؛ وليس الخبر كالعيان، رجع أخسر من صفقة أبي غبشان (٤) ، وليعلن (٥) بقراءة هذا الأمر على المنابر، وليعلم به الحاضر، والبادي ليستوي فيه البادي والحاضر، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (٦) .


(١) طبقات الشافعية: ٤: ٣٢٩، ٣٣٠.
(٢) سورة الأحزاب: ٦٠.
(٣) النور: ٦٣.
(٤) وردت هذه الجملة محرفة في الأصول، والصواب ما أثبته. وصفقة أبي غبشان يضرب بها المثل في الخسران، وكان أبو غبشان والي أمر خزاعة، وكانت خزاعة سدنة الكعبة قبل قريش؛ ولأبي غبشان وصفقته خبر في المضاف والمنسوب ١٣٥.
(٥) في الأصول: "وليعلى"، والصواب ما أثبته من الطبقات.
(٦) طبقات الشافعية: ٤: ٣٣١.