للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون، وانتقل بالوفاة إلى رحمة الله تعالى ليلة الأربعاء سادس عشري صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وله من العمر سبع وخمسون سنة، وعمل الشعراء فيه مرائي كثيرة، من ذلك قصيدة للعماد الكاتب، مائتان وثلاثون بيتا أولها:

شمل الهدى والملك عم شتاته ... والدهر ساء وأقلعت حسناته (١)

بالله أين الناصر الملك الذي ... لله خالصة صفت نياته

أين الذي ما زال سلطانًا لنا ... يرجى نداه وتتقى سطواته

أين الذي شرف الزمان بفضله ... وسمت على الفضلاء تشريفاته

أين الذي عنت الفرنج لبأسه ... ذلا ومنها أدركت ثاراته

أغلال أعناق العدا أسيافه ... أطواق أجياد الورى مناته

قال العماد وغيره: لم يترك في خزانته من الذهب سوى دينار واحد صوريِّ وستة وثلاثين درهما، ولم يترك دارًا ولا عقارًا ولا مزرعة، ولا شيئًا من أنواع الأملاك، وترك سبعة عشر ولدا ذكرا وابنة واحدة.

وكان متدينًا في مأكله ومشربه ومركبه وملبسه، فلا يلبس إلا القطن والكتان والصوف، وكان يواظب الصلاة في الجماعة، ويواظب سماع الحديث، حتى إنه سمع في بعض المصافات جزءًا وهو بين الصفين ويتبجح بذلك، وقال: هذا موقف لم يسمع فيه أحد حديثًا.

وبالجملة فمناقبه الحميدة كثيرة لا تستقصى إلا في مجلدات، وقد أفرد سيرته بالتصنيف جماعة من العلماء والزهاد والأدباء، وكان به عرج في رجله، فقال فيه ابن عُنّين الشاعر:

سلطاننا أعرج وكاتبه ... ذو عمش والوزير منحدب


(١) النجوم الزاهرة ٦: ٦٠، وكتاب الروضتين ٢: ٢١٥.