للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أبوك! واحد كافر. قال: ما أنا إلا مسلم، أنا محمود بن مودود بن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك.

وخرج المظفر بالجيوش في شعبان سنة ثمان وخمسين متوجهًا إلى الشام لقتال التتار وشاويشه (١) ركن الدين بيبرس البندقدارى، فالتقوا هم والتتار عند عين

جالوت، ووقع المصاف يوم الجمعة خامس عشري رمضان، فهزم التتار شر هزيمة، وانتصر المسلمون ولله الحمد، وجاء كتاب المظفر إلى دمشق بالنصر، فطار الناس فرحًا، ثم دخل المظفر إلى دمشق مؤيدًا منصورا، فأحبه الخلق غاية المحبة، وقال بعض الشعراء في ذلك:

هلك الكفر في الشام جميعا ... واستجد الإسلام بعد دحوضه (٢)

بالمليك المظفر الملك الأر ... وع سيف الإسلام عند نهوضه (٣)

وقال الإمام أبو شامة رحمه الله في ذلك شعرًا:

غلب التتار على البلاد فجاءهم ... من مصر تركي يجود بنفسه

بالشام أهلكهم وبدد شملهم ... ولكل شيء آفة من جنسه

وساق بيبرس وراء التتار إلى حلب، وطردهم عن البلاد، ووعده السلطان بحلب، ثم رجع عن ذلك، فتأثر بيبرس ووقعت الوحشة بينهما، فأضمر كل لصاحبه الشر، فاتفق بيبرس مع جماعة من الأمراء على قتل المظفر، فقتلوه في الطريق في سادس عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين بين العرابي والصالحية، وتسلطن بيبرس، ولقب بالملك القاهر، ودخل مصر وأزال عن أهلها ما كان المظفر أحدثه عليهم من المظالم، وأشار عليه الوزير زين الدين أن يغير هذا اللقب، وقال: ما تلقب به أحد فأفلح؛ فأبطل السلطان هذا اللقب، وتلقب بالملك الظاهر.


(١) الشاويش، أو الجاويش: لفظ تركي، وكان من وظيفة الجاوشية أيام المماليك السير أمام السلطان في مراكبه.
(٢) النجوم الزاهرة ٧: ٨٢.
(٣) في الأصول: "دحوضه"، تحريف.