للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه، وحلف أنه ما بني هذا المسجد بشيء من ماله، وإنما بناه بكنز ظفر به، وإن العشار الذي نصبه على منارته وجده في الكنز (١) .

فصلى الناس فيه، وسألوه أن يوسع قبلته، فذكر أن المهندسين اختلفوا في تحرير قبلته، فرأى في المنام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول: يا أحمد، ابن قبلة هذا الجامع على هذا الموضع؛ وخط له في الأرض صورة ما يعمل. فلما كان الفجر مضى مسرعا إلى ذلك الموضع؛ فوجد صورة القبلة في الأرض مصورة، فبنى المحراب عليها، ولا يسعه أن يوسع فيه لأجل ذلك، فعظم شأن الجامع، وسألوه أن يزيد فيه زيادة، فزاد فيه.

قال الخطيب: ركب أحمد بن طولون يومًا يتصيد بمصر، فغاصت قوائم فرسه في الرمل، فأمر بكشف ذلك الموضع، فظهر له كنز فيه ألف ألف دينار، فأنفقها في أبواب البر والصدقات، وبنى منها الجامع، وأنفق عليه مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، وبنى المارستان، وأنفق عليه ستين ألف دينار.

وقال صاحب مرآة الزمان (٢) : قرأت في تاريخ مصر أن ابن طولون كان لا يعبث قط،


(١) المقريزي: "كان أحمد بن طولون يصلي الجمعة في المسجد القديم اللاصق للشرطة، فلما ضاق عليه بنى الجامع الجديد مما أفاء الله عليه من المال الذي وجده فوق الجبل في الموضع المعروف بتنور فرعون، ومنه بني العين، فلما أراد بناء الجامع قدر له ثلاثمائة عمود، فقيل له: ما تجدها أو تنفذ إلى الكنائس في الأرياق والضياع والخراب، فتحمل ذلك؛ فأنكر ذلك ولم يختره، وتعذب قلبه بالفكر في أمره، وبلغ النصراني الذي تولى له بناء العين، وكان قد غضب عليه وضربه، ورماه في المطبق، فكتب إليه يقول: أنا أبنيه لك كما تحب وتختار بلا عمد إلا عمودي القبلة، فأحضروه وقد طال شعره حتى نزل على وجهه، فقال له: ويحك! ما تقول في بناء الجامع؟ فقال: "أنا أصوره للأمير حتى يراه عيانا بلا عمد إلا عمودي القبلة، فأمر بأن تحضر له الجلود فأحضرت، وصوره له، فأعجبه واستحسنه وأطلقه وخلع عليه، وأطلق له للنفقة عليه مائة ألف دينار، فقال له: أنفق، وما احتجت إليه بعد ذلك أطلقناه لك، فوضع النصراني يده في البناء في الموضع الذي هو فيه، وهو جبل يشكر، فكان ينشر منه، ويعمل الجير، ويبني إلى أن فرغ من جميعه، وبيضه وعلق فيه القناديل، والسلاسل الحسان الطوال، وفرش فيه الحصر، وحمل إليه صناديق المصاحف، ونقل إليه القراء والفقهاء".
(٢) مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، لسبط ابن الجوزي، في التواريخ القديمة الإسلامية وأخبار الأمم الماضية، رتبه على السنين إلى سنة ٦٥٤، وهي السنة التي مات فيها المؤلف.