كتابًا (١) فيما روي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال:"من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة"، ودس أحمد بن طولون عيونا لسماع ما يقوله الناس من العيوب في الجامع، فقال رجل: محرابه صغير، وقال آخر: ما فيه عمود، وقال آخر: ليس له ميضأة، فجمع الناس وقال: أما المحراب فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد خطه لي، وأما العمد فإني بنيت هذا الجامع من مال حلال وهو الكنز، وما كنت لأشوبه بغيره، وهذه العمد إما أن تكون من مسجد أو كنيسة، فنزهته عنهما؛ وأما الميضأة، فها أنا أبنيها خلفه، ثم عمل في مؤخره ميضأة وخزانة شراب فيها، جمع الأشربة والأدوية، وعليها خدم، وفيها طبيب جالس يوم الجمعة لحادث يحدث من الحاضرين للصلاة، وأوقف على الجامع أوقافًا كثيرة سوى الرباع ونحوها، ولم يتعرض إلى شيء من أراضي مصر ألبتة.
ثم لما وقع الغلاء في زمن المستنصر خربت القطائع بأسرها، وعدم السكن هنالك، وصار ما حول الجامع خرابًا.
وتوالت الأيام على ذلك، فتشعث الجامع، وخرب أكثره، وصارت المغاربة تنزل فيه بإبلها ومتاعها عند ما تقدم الحج، وتمادى الأمر على ذلك.
ثم إن لاجين لما قتل الأشرف خليل بن قلاوون هرب، فاختفى بمنارة هذا الجامع فنذر إن نجاه الله من هذه الفتنة ليعمرنه، فنجاه الله، وتسلطن، فأمر بتجديده، وفوض أموره إلى الأمير علم الدين سنجر الزيني، فعمره ووقف عليه وقفًا، ورتب فيه دروس التفسير والحديث والفقه على المذاهب الأربعة والقراءات والطب، والميقات حتى جعل من جملة ذلك وقفا على الديكة تكون في سطح الجامع في مكان مخصوص بها؛ لأنها تعين الموقتين وتوقظهم في السحر. فلما قرئ كتاب الوقف على السلطان أعجبه،