وهذا صريح في أنه بني قبلها غيرها. قال القاضي تاج الدين السبكي في طبقاته الكبرى: قد أدرت فكري، وغلب على ظني أن نظام الملك أول من رتب فيها المعاليم للطلبة، فإنه لم يصح لي: هل كان للمدارس قبله معاليم أم لا؟ والظاهر أنه لم يكن لهم معلوم. انتهى.
وأما مصر، قال ابن خلكان: لما ملك السلطان صلاح الدين بن أيوب بالديار المصرية، لم يكن بها شيء من المدارس، فإن الدولة العبيدية كان مذهبها
مذهب الرافضة والشيعة، فلم يكونوا يقولون بهذه الأشياء، فبنى السلطان صلاح الدين بالقرافة الصغرى المدرسة المجاورة للإمام الشافعي، وبنى مدرسة مجاورة للمشهد الحسيني بالقاهرة، وجعل دار سعيد السعداء خادم الخلفاء المصريين خانقاه (١) ، وجعل دار عباس الوزير العبيدي مدرسة للحنفية، وهي المعروفة الآن بالسيوفية، وبنى المدرسة التي بمصر المعروفة بزين التجار للشافعي، وتعرف الآن بالشريفية، وبنى بمصر مدرسة أخرى للمالكية، وهي المعروفة الآن بالقمحية.
وقد حكي أن الخليفة المعتضد بالله العباسي لما بنى قصره ببغداد استزاد في الذرع، فسئل عن ذلك، فذكر أنه يريده ليبني فيها دورا ومساكن ومقاصر، يرتب في كل موضع رؤساء، كل صناعة ومذهب من مذاهب العلوم النظرية والعملية، ويجري الأرزاق السنية، ليقصد كل من اختار علما أو صناعة رئيسا، فيأخذ عنه.
وقد ذكر الواقدي أن عبد الله بن أم مكتوم قدم مهاجرا إلى المدينة، فنزل دار القراء.
(١) الخانقاه، وجمعها خوانق، وكذلك الرباطات والزوايا: معاهد دينية إسلامية للرجال والنساء، أنشئت لإيواء المنقطعين والزهاد والعباد. ولفظ الرباط والزاوية عربيان، أما الخانقاه ففارسية ومعناها البيت، وهي حديثة في الإسلام، في حدود الأربعمائة، وجعلت لتخلي الصوفية فيها للعبادة والتصرف.