للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر الجاحظ في كتاب الأمصار، أن مخرج نهر السند والنيل من موضع واحد، واستدل على ذلك اتفاق زيادتهما، وكون التمساح فيهما، وأن سبيل زراعتهم في البلدين واحد.

وقال المسبحي في تاريخ مصر: في بلاد تكنة أمة من السودان أرضهم تنبت الذهب، يفترق النيل فيصير نهرين أحدهما أبيض وهو نيل مصر، والآخر أخضر يأخذ إلى المشرق فيقطع البحر الملح إلى بلاد السند، وهو نهر ميران.

قال ابن عبد الحكم: حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن قيس بن الحجاج، عمن حدثه، قال: لما فتح عمرو بن العاص مصر، أتى أهلها إليه حين دخل بؤونة من أشهر العجم، فقالوا له: أيها الأمير، إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما ذاك؟ قالوا: إذا كان لثنتي عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر، عَمَدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل. فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما قبله، فأقاموا بؤونة وأبيب ومسرى لا يجري قليلا ولا كثيرا، حتى هموا بالجلاء، فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه عمر: قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، وقد بعثت إليك بطاقة (١) فألقها في داخل النيل إذا أتاك كتابي. فلما قدم الكتاب على عمرو، فتح البطاقة فإذا فيها:

من عبد الله أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد فإن كنت تجري من قبلك، فلا تجر، وإن كان الواحد القهار يجريك، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك.

فألقى عمرو البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم، وقد تهيا أهل مصر للجلاء


(١) فتوح مصر: "بطاقة".