الآن متى حدثت، وأما غيرها من الجزائر كلها فقد تجددت بعد فتح مصر، وإلى هذه الجزيرة التجأ المقوقس لما فتح الله على المسلمين القصر، وصار بها هو ومن معه من جموع الروم والقبط.
وقال ابن عبد الحكم: كان بالجزيرة في أيام عبد الملك بن مروان أمير مصر خمسمائة فاعل عدة لحريق إن كان في البلاد أو هدم.
وقال الكندي: بنيت بالجزيرة الصناعة في سنة أربع خمسين -والصناعة اسم لمكان قد أعد لإنشاء المراكب البحرية- وأول صناعة عملت بأرض مصر التي بنيت بالروضة في سنة أربع وخمسين من الهجرة، فاستمرت إلى أيام الإخشيد، فأنشأ صناعة بساحل فسطاط مصر، وجعل موضع الصناعة التي بالروضة بستانا سماه المختار.
وقال القضاعي: حصن الجزيرة بناه أحمد بن طولون في سنة ثلاث وستين ومائتين، ليحرز فيه حريمه وماله، وكان سبب ذلك مسير موسى بن بغا من العراق واليًا على مصر، وجميع أعمال ابن طولون، وذلك في خلافة المعتمد على الله، فلما بلغ أحمد بن طولون مسيره تأمل مدينة فسطاط مصر، فوجدها لا تأخذ إلا من جهة النيل، فبنى الحصن بالجزيرة التي بين الفسطاط والجيزة ليكون معقلًا لحريمه وذخائره، واتخذ مائة مركب حربية سوى ما يضاف إليها من العشاريات وغيرها؛ فلما بلغ موسى بن بغا بالرقة تثاقل عن المسير لعظم شأن ابن طولون وقوته، ثم لم يلبث موسى أن مات، وكفى ابن طولون أمره.
وقال محمد بن داود لأحمد بن طولون:
لما قضى ابن بغا بالرقتين ملا ... ساقيه درقًا إلى الكعبين والعقب
بنى الجزيرة حصنًا يستجن به ... بالعسف والضرب، والصناع في تعب
وواثب الجيزة القصوى فخندقها ... وكاد يصعق من خوف ومن رعب