المختار من جزيرة الروضة مكانًا لمحبوبته البدوية عرف بالهودج، وذلك لما صعب عليها السكنى في القصور، ومفارقة ما اعتادته من الفضاء. وكان الهودج على شاطئ النيل في شكل غريب، ولم يزل الآمر يتردد إليه للنزهة فيه، إلى أن ركب إليه يوما، فلما كان برأس الجسر، وثب عليه قوم كانوا كمنوا له بالروضة، فضربوه بالسكاكين حتى أثخنوه، وذلك يوم الأربعاء رابع ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة، ونهب سوق الجزيرة ذلك اليوم.
قال ابن المتوج: اشترى الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب جزيرة مصر المشهورة بالروضة من بيت المال المعمور في شعبان سنة ست وعشرين وخمسمائة، وبقيت على ملكه إلى أن سير السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ولده الملك العزيز عثمان إلى مصر، ومعه عمه الملك العادل، وكتب إلى الملك
المظفر أن يسلم لهما البلاد، ويقدم عليه إلى الشام، فلما ورد عليه الكتاب، ووصل ابن عمه الملك العزيز وعمه الملك العادل، شق عليه خروجه من الديار المصرية، وتحقق أنه لا عود له إليها أبدًا، فوقف مدرسته التي تعرف في مصر بالمدرسة التقوية؛ وكانت قديمًا تعرف بمنازل العز على الفقهاء الشافعية، ووقف عليها جزيرة الروضة بكمالها، ووقف أيضا مدرسة بالفيوم، وسافر إلى عمه صلاح الدين إلى دمشق، فملكه حماة، ولم يزل الحال كذلك إلى أن ولي الملك الصالح نجم الدين أيوب، فاستأجر الجزيرة من القاضي فخر الدين أبي محمد عبد العزيز بن قاضي القضاة عماد الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن السكري مدرس المدرسة المذكورة لمدة ستين سنة في دفعتين؛ كل دفعة قطعة، فالقطعة الأولى من جامع عين إلى المنظر طولا وعرضا من البحر إلى البحر، واستأجر القطعة الثانية، وهي باقي أرض الجزيرة الدائر عليها بحر النيل حينذاك، واستولى على ما كان للجزيرة من النخل