للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبالغ في إتقانها مبالغة عظيمة؛ حتى قيل: إنه استقام كل حجر فيها بدينار، وكل طوبة بدرهم، وكان الملك الصالح يقف بنفسه، ويرتب ما يعمل، فصارت تدهش من كثرة زخرفها، ويحير الناظر إليها حسن سقوفها المقرنصة، وبديع رخامها. ويقال: إنه قطع من الموضع الذي أنشا فيه هذه القلعة ألف نخلة مثمرة، وكان رطبها يهدى إلى ملوك مصر لحسن منظره، وطيب طعمه. وخرب البستان المختار والهودج، وهدم ثلاثة وثلاثين مسجدًا كانت بالروضة، وأدخلت في القلعة.

واتفق له في بعض هذه المساجد خبر عجيب؛ قال الحافظ جمال الدين يوسف بن أحمد اليغموري: سمعت الأمير جمال الدين موسى بن يغمور بن جلدك، يقول: من عجيب ما شاهدته من الملك الصالح، أنه أمرني أن اهدم مسجدا بجزيرة مصر، فأخرت ذلك، وكرهت أن يكون هدمه على يدي، فأعاد الأمر، وأنا كاسر عنه؛ فكأنه فهم عني ذلك، فاستدعى بعض خدمه وأنا غائب، وأمره أن يهدم ذلك المسجد، وأن يبنى في مكانه قاعة، وقدر له صفتها، فهدم ذلك المسجد، وعمر تلك القاعة مكانه وكملت. وقدم الفرنج على الديار المصرية، وخرج الملك الصالح مع عساكره إليهم، ولم يدخل تلك القاعة التي بنيت في مكان المسجد، فتوفي السلطان بالمنصورة، وجعل في مركب، وأتي به إلى الروضة فجعل في تلك القاعة التي بنيت مكان المسجد مدة إلى أن بنيت له التربة التي في جنب مدرسته بالقاهرة. وكان النيل في القديم محيطا بالروضة طول السنة، وكان فيما بين ساحل مصر والروضة جسر من خشب، وكذلك فيما بين الروضة، والجيزة جسر من خشب يمر عليهما الناس والدواب من مصر إلى الروضة، ومن الروضة إلى الجيزة؛ وكان هذان الجسران من مراكب مصطفة بعضها بحذاء بعض، وهي موثقة، ومن فوق المراكب أخشاب ممتدة فوقها تراب.

وكان عرض الجسر ثلاث قصبات، ولم يزل هذا الجسر قائما إلى أن قدم المأمون