للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقتال لأبرهة لانقطعت تجارتهم من تلك الجهات، كما تقدم في فصل (ج). ولم يشأ الله عزَّ وجلَّ قطع متاجرهم؛ لأنه قد أجاب فيهم دعوة خليله إبراهيم عليه السلام، وهو يُعِدُّهم لبعثة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيهم، ويريد أن يمتنَّ عليهم بذلك، كما جاء في سورة قريش. لهذه العلاقة ــ والله أعلم ــ أعقب الله تعالى هذه السورة بسورة قريش.

وأما قول المعلم: "وكما نسب الله تعالى الرمي إلى نفسه ... "، فهذه محاولة فاشلة. يخاطب الله تعالى رسوله بقوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧]، فيصرح له بأن الأثر لم يكن لرميه، مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون معه يعلمون أنه لا حول لهم ولا قوة إلا بالله، فكيف يعقل مع هذا أن يكون أهل مكة رموا الحبشة، فأمدّهم الله تعالى برمي من عنده، ثم يذكرهم بذلك بعد تكذيبهم لرسوله وكتابه، وفعلهم العظائم؛ فيذكر رميهم مثبتًا غير منفي، ويطوي ذكر رميه، فلا يصرح به؟ وهل هذا إلا عكس الحكمة؟

فإن الأمر الواضح الذي لا يخفى أن يقال: إذا اقتضت الحكمة التصريح بنفي رمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإثبات رمي الله تعالى لإثبات أنه المؤثر في خطاب النبي صلى الله عليه وآله سلم، مع أنه ــ والمؤمنون معه ــ لا يرتاب في ذلك، فبالأولى والأحرى [ص ٦١] أنه إذا كان من أهل مكة رمي لأصحاب الفيل أن يصرح الله تعالى لهم بنفي رميهم، وإثبات رميه؛ فإنهم مشركون.

فإن قيل: فقد أشار إلى فعله بقوله: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}، كما ذكره المعلم.