ثم أوهم في ذكر عمود السورة أن الخطاب خاص بفرد واحد، يظن أنه أبو لهب. وهذا كما ترى!
وعلى ما قدمت، فالخطاب لكل إنسان إلى يوم القيامة. وإنما يصير الإنسان مخاطبًا بالفعل حين تبلغه السورة، وهو أهل أن يخاطَب، كما يكتب الرجل إلى غائب عنه، فيصير ذلك الغائب مخاطبًا بالفعل حين يبلغه الكتاب، فيقرؤه، أو يقرأ عليه، وهو أهل للخطاب. وربما حضرت الرجل الوفاة، وامرأته حامل، فيكتب كتابًا يخاطب به من في بطنها، فإذا ولد وبلغ سن التمييز فقرأ الكتاب، أو قرئ عليه، صار مخاطبًا به بالفعل. ولو كتب رجل كتابًا إلى كل من يولد بعده من ذريته ما تناسلوا، أو إلى كل من يولد في قومه، لكان كلما ولد مولود، فبلغ حدّ التمييز، فقرأ ذلك الكتاب أو قرئ عليه، يصير مخاطبًا به بالفعل.
وهكذا حكم الرسالة والوصية بدون كتاب. وبهذا تنحلُّ مغالطة بعض الأصوليين كالآمدي (١)، والله أعلم.
وكما أن من كتب إليه جدُّه بنصيحة لا تتقيد بوقت مثل:"احذر قرناء السوء" يتصور تكرر الخطاب كلما قرأ الكتاب، فكذلك ينبغي لك حين تذكر قول ربك سبحانه {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار: ٦]، وأشباهها، ومنها سورة الفيل.
[ص ١٠٣] ٤ - "كيف" في الآية في موضع نصب على أنها مفعول مطلق، قاله ابن هشام في المغني قال:"إذ المعنى: أيَّ فِعْل فَعَلَ ربُّك"؟
(١) راجع الإحكام للآمدى. [المؤلف]. (١/ ١٩٩ وما بعدها).