للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ز)

والباعث له ــ فيما يظهر ــ على إنكار رمي الطير أمور:

الأول: أن يتهيأ له دعوى أن قوله تعالى: {تَرْمِيهِمْ} للخطاب فيستدل بذلك على أن أهل مكة قاتلوا.

الثاني (١): ما ذكره بقوله (ص ٢٠): "من ينظر في مجاري الخوارق يجد أن الله تعالى لا يترك جانب التحجب في الإتيان بها، كما هي سنته في سائر ما يخلق؛ لأن حكمته جعلت لنا برزخًا بين عالمي الغيب والشهادة، وسنّ لنا التشبث بالأسباب مع التوجه إلى ربها، ليبقى مجال [ص ٤٥] للامتحان والتربية لأخلاقنا".

قال عبد الرحمن: تحقيق هذا البحث يستدعي النظر في حكمة الخلق، وقد أشار إليها الكتاب والسنة، وتكلم فيها أهل العلم، وأوضحتُ ذلك في بعض رسائلي (٢)، وألخص ذلك هنا:

إن الله تبارك وتعالى جواد حميد، اقتضى جوده أن يجود بالكمال إلى الحد الممكن، فاقتضى ذلك أن يخلق خلقًا يكون محلًّا للكمال. وعلم أنه لا يكون للمخلوق كمال يعتدّ به إذا خُلق مجبورًا على الخير، أو غير ممكَّن من العمل، أو مسهَّلًا له عملُ الخير بأن لا تكون فيه مشقة ألبتة. فخلق تبارك وتعالى الخلق قابلين للكمال وضده، مختارين ممكَّنين، عليهم في الخير مشقة وكلفة، و {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢].


(١) الأمر الثالث سيأتي في (ص ٧٩).
(٢) انظر: كتاب "العبادة" (ص ٥٦ وما بعدها) بعنوان "حجج الحقِّ شريفة عزيزة كريمة".