قال المعلِّم رحمه الله تعالى:"ظنّوا أنّ الخطاب في السورة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يمكنهم تأويل {تَرْمِيهِمْ} إلى الخطاب؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يرميهم، ولكنا بيّنا في الفصل الأول أن الخطاب ههنا إلى أفراد أهل مكة، وكلمة {تَرْمِيهِمْ} حال من المجرور في (عليهم)، أو جملة مستأنفة. والمعنى على الحالية يكون: ألم تر أيها المخاطب كيف أرسل ربك عليهم طيرًا أبابيل حالَ أنت ترميهم بالحجارة؟ وعلى الاستئناف يكون: كنت ترميهم بحجارة، فجعلهم الربّ كعصف مأكول ... فعسى أن يتوهم أن الحال إنما تبيّن هيئة الفاعل أو المفعول، والضمير في (عليهم) إنما هو مجرور لا فاعل ولا مفعول. فنقول: إنما مراد النحويين أن الحال يبين هيئة الشيء عند حدوث أمر، والحدوث يعبّر عنه بالفعل، فإذا وجدوا الحال عن غير الفاعل أو المفعول فزعوا إلى تقديرات شتى".
ثم ذكر شواهد على مجيء الحال من المجرور، ثم قال:"فعلى تأويل {تَرْمِيهِمْ} إلى الاستئناف عسى أن يتوهم أن مقتضى المعنى أن يؤتى بالماضي، و {تَرْمِيهِمْ} مضارع، فنقول: نعم، ولكن {تَرْمِيهِمْ} أصله: "كنت ترميهم"، وحذف الأفعال الناقصة قبل المضارع أسلوب عام، وله مواقع لا يحسن فيها إلا الحذف، كما بينّاه في كتاب الأساليب ... قال تعالى:{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}(١). أي فلو كنت هناك أيها المخاطب لظللت ترى
(١) وقع في رسالته: "وسخرنا" سهوًا. والآية في سورة الحاقة (٦٩/ ٧). [المؤلف].