هذا، والمقاتلة يومئذٍ من قريش ومن حولها إنما يجتمع منهم بضعة آلاف، بأسلحة رثّة، والخيل فيهم قليلة.
وقد أعلن أبرهة على ما جاء في الروايات أنه لا يريد قتالهم، وإنما يريد هدم البيت؛ وكان لهم وثوق بالله عزَّ وجلَّ أن يحمي بيته. ثم لعلهم يقولون: هب أن الله تعالى مكَّنه من هدم البيت، فكان ماذا؟ يعود أبرهة، فنعيد بناءه أحسن مما كان.
وفوق هذا، فقد كانت حياة قريش موقوفة على التجارة، ويرون أن مقاتلة أبرهة تضرُّهم من الجهتين؛ إما أن يغلبوا، وإما أن تنقطع تجارتهم إلى اليمن والحبشة والشام. أما اليمن والحبشة فظاهر، وأما الشام فلأنها كانت يومئذٍ تابعة للروم، وقد عرفوا الارتباط بين الروم والحبشة.
إذا أمعنت النظر فيما تقدم عرفت أنه لا بُعد في إحجام قريش عن قتال أبرهة، وأنه لا عار يلزمهم لذلك، ولا غضاضة، ولا منافاة لما عرف منهم من النجدة والحمية.
[ص ١٢] وأما قوله: إن العلم بأن البيت بيت الله إنما يقتضي الدفاع عنه، لا إسلامه.
فجوابه: أنه قد يصحب العلمَ بأنه بيت الله وثوقٌ متمكنٌ بحفظ الله له، فإذا حصل هذا الوثوق ضعفت داعية القتال. وقد تكون قوة العدو عظيمة جدًّا، بحيث تقتضي العادة أنه لا فائدة للقتال إلا هلاك المدافع. وتلك حال قريش كما تقدم، فقد رأوا أن ذلك العدو أكثر منهم عددًا وعدةً. أما العدد فلعله أكثر منهم بعشرة أضعاف أو أزيد، وأما العدة فلعله أكثر منهم بمائة