للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقارنة للإبصار. ولو قلت: "أبصرت زيدًا قد صلّى الظهر" لَفُهِم منه أن الإبصار كان بعد الصلاة.

هذا، وإنما يحسن حذف (قد) لنكتة، كما في قوله تعالى في إخوة يوسف: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [يوسف: ٦٥]. لم يعلموا بردّها إلا حينئذ، فكأنها إنما رُدَّت حينئذ.

ونحوه في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: ٩٠]، فإن الحصر يتجدد، فيوجد حال المجيء.

[ص ١٦] ويلوح لي أنه عندما يكون الفعل سابقًا، إن قرب العهد به أتي بـ (قد) وحدها، وإلّا أتي بها مع الواو، والقرب والبعد في كل شيء بحسبه. تقول: "جاء زيد قد حجّ" إذا كان مجيئه عقب الحج، فإن تأخر قيل: "وقد حجّ". والله أعلم.

وقولهم: "خرج فلان إلى الحجاز حاجًّا" فيه مجاز بإطلاق كلمة "الحاجّ" على العامد له، ولهذا يقال إذا خرج المسافرون إلى الحج: "خرج الحجاج اليوم"، وحاصل المعنى: خرج ناويًا أن يحجّ، ولهذا يسميها بعضهم "حالًا منويّةً". وقد يطلق عليها في نحو المثال: "مقدّرة"، من قولهم: قدّرت كذا، أي نويته وعقدت عليه، كما في اللسان (١).

وقوله سبحانه: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: ٧٣]، فيه مجاز أيضًا، وذلك أن


(١) قدر (٥/ ٧٦)، وأصله في تهذيب اللغة (٩/ ٢٤).