الحرب متواصلة بين نزار واليمن، قد يكون أحد الأباره قتل في بعضها، وقدم العهد، فلم يصل إلينا من خبر القصة إلا بيت ذي الرمة. وقد لا يكون قتل، وإنما أصابته طعنة، وقد يكون المقتول أو المطعون آخر، فأشيع أنه أبرهة، ووصلت هذه الإشاعة [ص ٢١] إلى ذي الرمة.
هذا، ومن الأدلة على أن أهل مكة لم يقاتلوا أبرهة الروايات الثابتة عن علماء الأخبار كابن إسحاق، والواقدي، وابن الكلبي، وغيرهم. معها رواية ابن عباس التي تقدمت عن "المستدرك" وصححها الحاكم والذهبي، وروايته الأخرى التي رواها ابن مردويه وحسنها ابن حجر في "شرح البخاري"، وستأتي.
ومنها: أن كل من له إلمام بأخبار العرب يعرف شدة حرصهم على رواية أخبار أيامهم، وحفظها، وتردادها في الأسمار، وتقييدها بالأشعار. ولا يكاد يقتل رجل منهم قتيلًا إلا قال في ذلك شعرًا، وإلا افتخرت به قبيلته في أشعارها. ولا يكاد يُقتَل منهم قتيل إلا يُرثى بعدَّة مراثٍ.
وبين أيدينا أخبارهم في حرب البسوس، وحرب داحس، وغير ذلك. نجدها مروية بتفصيل بأسماء فرسانهم وخيلهم، وقاتلهم ومقتولهم، وكيف كان القتال، وكم استمر، إلى غير ذلك من الجزئيات.
وإن شئت فراجع قصة يوم شِعْب جَبَلَة في "الأغاني"، فإنك ترى العجب من التفصيل الذي يخيل إليك أن القصة كتبت في ذلك اليوم، وقد كانت تلك الحرب قبل المولد النبوي بتسع عشرة سنة على ما في "الأغاني"(١).