فإن قيل: المعلِّم وإن وافق على معنى أول السورة ما ذكرتَ، إلّا أنه ذكر بعد ذلك أن كثيرًا من الشاهدين أنفسهم لم يكونوا يعلمون الحقيقة، وكانوا يرون أنّ الطيرَ رَمَتْه، وقد قدّمتَ أنت أن ذلك كان الاعتقاد العام، فعلى قوله يكون الجهل متحقّقًا، وذلك مظنّة السؤال.
قلتُ: قد تقدّم إبطال احتمال الجهل، وكفى بأول السورة مبطلًا له. ومع ذلك فالسؤال إنما مظنّة الجهل البسيط، والجهل المدَّعَى هنا مركّب.
وإن أراد الاستئناف النحوي، فقد شرح علماء المعاني في باب الفصل والوصل المواضعَ التي يصلح فيها، وليس منها موضع يصلح هنا. بل لو كان المعنى على ما قاله المعلِّم رحمه الله لكان هذا من مواضع العطف بالواو، فيقال:"وأرسل عليهم طيرًا أبابيل ورميتهم"، أو "وترميهم"، أو "وكنت ترميهم"(١).
قوله:"حذف الأفعال الناقصة قبل المضارع أسلوب عام" يشمل على دعاوى:
الدعوى الأولى: جواز حذف الأفعال الناقصة. وأئمة العربية لا يجيزون حذف ما عدا (كان) من النواسخ، إلا في موضع أو موضعين ليس منها ما قاله المعلِّم في الآية التي استشهد بها. ويجيزون [ص ٦٣] حذف (كان) في مواضع لا يصلح منها شيء في آية الفيل ولا في شيء من الشواهد التي أوردها.
(١) انظر: الفائدة ١١. [المؤلف]. كذا ظهر لي رقم الفائدة، وقد ذهب بها الخرم الواقع في الأصل.