للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التمكن من المكر، فظهر له شدة افتقار الإنسان إلى الاستغاثة بالله عزَّ وجلَّ والاستعانة به، فأطال الوقوف هنا للدعاء، وهكذا عند القصوى. والله أعلم.

ثم ختم المعلِّم رسالته بفصلٍ مبنيٍّ على هذا الفصل، قال (١): "إن صح ما ذكرنا من أصل سنة رمي الجمار، سواء كان الرمي من الطير، أو من العرب، بعد أن كان على أصحاب الفيل ... فلا بد أن تكون نيتنا ... الذي يرى في رميه أنه يرمي الشيطان، لا يحسّ بداعية قوية خاصة، فإنه يعلم أنه إنما يرمي بحصياته حجرًا، ولا يرجو بذلك أنه ينجو به من مكر الشيطان، ويبعده عن نفسه لمدة، أو أن ذلك أشد تأثيرًا من تلاوة المعوذتين، أو حوقلة، أو التأذين ... وأما إذا علم أنه يتذكر برميه هذا نصرة الله التي خصّها لأهل هذا البيت، فإنه يتذكر أمرًا عظيمًا، ويجمع همته، ويرى أن الله تعالى قادر أن ينصرهم على أعدائهم مع ضعف السبب .. ثم إنهم إذا قاموا للدعاء بعد الرمي لم يخرجوا عن تلك الحال ... تذكرة تهدي إلى كون الحج كلّه [ص ٨٦] من الجهاد ... ذبح البهيمة علامة ذبح النفس، والأضحية فدية، وحقيقة الجهاد هي ذبح النفس، وإنقاذها من النار. ثم هذه رحلة الحجاج وحلولهم ... أشبه شيء بتمرينٍ عسكري ... كأن حالة الحجاج في هذه المنازل تنادي جهارًا إلى ضرورة نظم عسكري ... فإذا صحح المسلمون نياتهم للجهاد، وكابدوا مشقة هذا التمرين، فكأنهم أشهدوا على تهيُّئهم لذلك إذا دعوا إليه. وأين في نية رمي الشيطان هذه الحكمة؟ ".

قال عبد الرحمن: قوله: "سواء كان الرمي من الطير أو من العرب" يسفر لك عما في نفسه من عدم الوثوق بأن الطير لم ترمِ، مع أنه في آخر


(١) تفسير سورة الفيل (٤٠ - ٤١).