للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ١١٠] (١) ٥ - قوله: {مِنْ سِجِّيلٍ} نعت لحجارة، وذلك ظاهر في أنها ليست من الحجارة المتعارفة، بل هي من سجيل. ومعناه اللفظي: طين متحجر، كما قاله السلف، بل فسره القرآن نفسه، فإنه ذكر في قصة لوط: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: ٨٢ ــ ٨٣]، وفي موضع آخر: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [الحجر: ٧٤]، وفي الثالث: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات: ٣٣ ــ ٣٤].

ولعل النكتة في اختيار هذا الوصف {مِنْ طِينٍ} في هذا الموضع الثالث: أن العبارة فيه محكية عن الملائكة في إخبارهم لإبراهيم عليه وعليهم السلام، وكان أواهًا حليمًا رؤوفًا رحيمًا، يشق عليه أن يعذب أولئك القوم، فإنه جادل في شأنهم كما في سياق القصة، فاختار الملائكة في محاورته وصفها بأنها من طين؛ لأنه أخفُّ من سجيل في التصور، وإن كان المآل واحدًا.

هذا، وتفسير السجيل بحجارة من طين لا يعين أنها مما تحجر من طين الأرض، فإن الآيات تعطي أنه نوع خاصّ معدّ عند الله عزَّ وجلَّ، أي حيثُ يُعلَمُ، ليعذّب به من يشاء. وقوله: {مُسَوَّمَةً} يشهد لذلك، قال ابن عباس: "المسومة: الحجارة المختومة، يكون الحجر أبيض فيه نقطة سوداء، أو يكون الحجر أسود فيه نقطة بيضاء، فذلك تسويمها عند ربك يا إبراهيم للمسرفين" (٢).


(١) الصفحة (١٠٩) مضروب عليها.
(٢) تفسير ابن جرير (٢٧/ ٢). [المؤلف].