الله عزَّ وجلَّ قدّر أن يخلدوا فيها حتمًا، فكأنه حاصل لهم حين الدخول، ولهذا تسمّى "حالًا مقدّرة"، وتفسَّر بقولهم:"ادخلوا مقدّرًا خلودُكم". ويمكن أن يكون المجاز في قوله (ادخلوا) بتضمينه معنى "اسكنوها" أو نحوه.
وهكذا يقال في قوله تعالى:{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}[الفتح: ٢٧]. كذا قالوه، وهو مبنيّ على أن المراد بالدخول: دخولهم حال القدوم، ومحلقين ومقصرين: فاعلين ذلك. ويمكن أن يقال: إن المراد بالدخول: دخول المسجد بعد تمام العمرة، وبمحلقين ومقصرين: كائنين على الهيئة التي تحدث عن الفعل على نحو ما تقدم في الفائدة التاسعة. والذي يدلّ على هذا مع ظهور المقارنة فيه أن الآية حكاية لرؤيا مناميَّة، فكأنه صلى الله عليه وآله وسلم رأى نفسه وأصحابه في المسجد الحرام أو داخلين فيه آمنين ما بين محلق ومقصر. وهذه الصفة تنطبق على بعض دخلاتهم في عمرة القضاء بعد أن قضوا عمرتهم، فإنهم أقاموا بمكة ثلاثًا، ولا بدّ أنهم دخلوا المسجد بعد قضاء عمرتهم مرارًا، فتأمَّلْ.
[ص ٢١](١٣) لا شبهة في مجيء "تفعل" الخطابي حالًا من ضمير المخاطب به تارة هكذا، وتارة مع الابتداء "وأنت تفعل". وستأتي أمثلة ذلك وتوجيه الفرق بين الصيغتين في الفائدة الآتية إن شاء الله تعالى.
(١) وقع هنا خرم في الأصل ذهب بأربع عشرة صفحة (ص ١٧ - ٣٠) تضمنت ثلاث فوائد (١١، ١٢، ١٣) وجزءًا من الفائدة الرابعة عشرة. ثم عثرنا بأخرة على الصفحات (٢١ - ٣٠) ضمن مجموع برقم ٤٧٠٦، فأثبتناها فيما يأتي.