أهلكه بغير تسبب منهم، أو بأدنى تسبب، كالرمي بالحصى. فقد أهلك الله تعالى عدو أهل مكة كذلك، مع أنهم كانوا مشركين، يعبدون الأوثان.
فاتضح أن استحضار من يرمي الجمار أن مبدأ ذلك رمي إبراهيم عليه السلام للشيطان هو أقرب إلى إعداده للجهاد: جهاد الكفار، وجهاد النفس والشيطان.
ويمكن بسط هذا المعنى بأكثر من هذا الكلام، وإيراد نكات ومناسبات أخرى، وفيما ذكرت كفاية إن شاء الله تعالى.
تتمة:
وههنا وجوه تبطل ما افترضه المعلِّم من أن رمي الجمار أحدثه العرب تذكارًا لرمي أصحاب الفيل:
الأول: أن هذا الصنيع بعيد عن أفكار العرب، ولا نظير له في أفعالهم. فأما رجمهم قبر أبي رِغال، فذاك ضرب من التشفي، أو اتباع سنة وجدوا عليها العمل قديمًا، إن صح أن رجم ذلك القبر سنة سنَّها صالح النبي عليه السلام لتنفير الناس عن مثل عمل ذلك الرجل. وليس في رمي المواضع التي رمي فيها أصحاب الفيل تشفٍّ.
الثاني: أن من شأن العرب أن تبقى فيهم ذكر الوقائع إلى أمدٍ بعيد. فلو كان أصحاب الفيل رجموا في موضع الجمار، وتعمق العرب فأحدثوا رمي الجمار تذكارًا لذلك، لبقي هذا الخبر محفوظًا فيهم إلى أجيال. فما بال الصحابة والتابعين لم يكونوا يعرفون ذلك، كما تدل عليه الروايات المحفوظة عنهم، مع أن المدة كانت قريبة؟