للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود أن الحكاية السابقة المراد بالجواز فيها عدم المانع النحوي، وذلك لا يقتضي الجواز مطلقًا، بل لا بدّ من قيام المقتضي. وبيانه موكول إلى فنّ البيان، وسيأتي طرف منه إن شاء الله تعالى.

(٢) حكي عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني إنكار المجاز، وقال: كل ما يظن مجازًا فهو حقيقة. وحكى بعضهم مثله عن أبي علي الفارسي، وهو غلط عليه (١). وحكي عن الظاهرية وابن القاصّ وابن خُوَيزمَنْداد إنكار وقوع المجاز في القرآن (٢).

وقد يتوهم أن مِن رأي هؤلاء جواز وقوع كل من الماضي والمضارع موقع الآخر مطلقًا، أو منعه مطلقًا، أو تأويل ما سمع منه بالحذف والتقدير. وليس الأمر كذلك، [ص ٣] بل يفسّر هؤلاء كل ما وقع من ذلك في القرآن وغيره نحو تفسير الجمهور، إلّا أنّهم يأبون أن يُسمّوا ذلك مجازًا.

وقد تكلم العلماء في تفسير مذهب هؤلاء، فمنهم من رماهم بالجهل، ومنهم من رماهم بالمكابرة، ومنهم من يرى أنهم إنّما استشنعوا هذا الاصطلاح، إذ يلزمه أن يقال: إن في الكتاب والسنة كثيرًا من الألفاظ والجمل ليست على حقيقتها.

والذي يلوح لي أن الأستاذ سمع من كلام الذين اصطلحوا على تسمية هذا حقيقةً وهذا مجازًا ما فهم منه أنهم يرون أن المجاز لا حظّ له في الوضع العربي، كقولهم في استعمال الكلمة: "إن كان فيما وضعت له فهي حقيقة،


(١) راجع: المزهر (١/ ١٧٥). [المؤلف]. نشرة البجاوي وزميليه (١/ ٣٦٤، ٣٦٦).
(٢) راجع: الإتقان (٢/ ٣٦). [المؤلف].