بالمقتضي، إذ هو من فنّ آخر، فإجازتهم وضع الماضي موضع المضارع وعكسه إذا كانت قرينة تدل على حقيقة الزمان، إنما معناه أنه ليس هناك مانع نحوي إذ قد زال الإلباس والإيهام. ولا يلزم من زوال المانع النحوي الجواز مطلقًا، ولكن القوم إنما تكلموا بحسب فنّهم.
[ص ٢] فممّا يمنعه النحاة لأجل الإلباس والإيهام: تقديم خبر المبتدأ إذا كانا معرفتين أو نكرتين ولا قرينة، لأنّ الأصل تقديم المبتدأ، فالسامع يحمل الكلام عليه، فمنعوا تقديم الخبر حينئذ لما فيه من الإيهام.
ومن ذلك أنهم اتفقوا على منع "زيدٌ بكرٌ ضاربُه" إذا أريد أنّ زيدًا هو الضارب، وأحبّوا أن يقال:"زيدٌ بكرٌ ضاربُه هو". وإذا قيل هكذا وجب أن تكون الهاء في "ضاربه" لبكر، وكلمة "هو" لزيد (١).
ومنه منعهم تقديم المفعول حيث يلتبس بالفاعل نحو "ضربتْ سُعدى لُبنى".
ومن ذلك منعهم تقديم المبتدأ في نحو "إنما في الدار زيد"، والخبر في نحو "إنما زيد في الدار"، بل يجب تقديم المقصور على المقصور عليه. ومثله "إنما ضرب زيدٌ بكرًا"، و"إنما ضرب بكرًا زيدٌ".
وقالوا في كلِّ ما تجيز الصناعة حذفه كالمفعول به: إنما يجوز حيث لا إلباس. ومسائلهم المبنية على هذا الأصل كثيرة.