للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشمس، ثم يذهب فيرمي الجمار على نحو ما يفعله في أيام التشريق، لشقّ ذلك عليه. فأذن له بتقديم الرمي بعد طلوع الشمس ليتعجل التحلل، وأمر بالاقتصار على جمرة واحدة، وجعلت جمرة العقبة لأن أول ما تراءى الشيطان لإبراهيم عليه السلام عندها، فيكون في الاقتصار عليها إشارة إلى ذلك، كما مر. ولم يؤمر بالوقوف عندها للدعاء تخفيفًا عليه، لاحتياجه إلى التخفيف كما مر.

وبهذا علم الجواب عن الوجه الثاني والثالث من الوجوه التي يرجح بها المعلِّم ما رآه.

وأما الرابع: فقد علمت وهم المعلِّم رحمه الله، وأن المشروع هو أن لا يوقف للدعاء عند جمرة العقبة، لا بعد رميها وحدها يوم النحر، ولا بعد رميها بعد أختيها في أيام منى، وأن يطال الوقوف والدعاء عند القصوى وعند الوسطى في سائر أيام منى، فانهدم بناء المعلم.

فأما الحكمة في عدم شرع الوقوف للدعاء عند جمرة العقبة، ففي يوم النحر الحكمة ظاهرة على ما تقدم من احتياج الحاج فيه إلى التخفيف. وأما في أيام منى، فمن الحكمة في ذلك ــ والله أعلم ــ موافقة [ص ٨٥] الواقع يوم النحر، ولأنها قد عوضت عن الوقوف عندها (١) بزيادة رمي يوم مقدم.

ومن المحتمل أن يكون إبراهيم عليه السلام لما تراءى له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه، استهان به، وظن أنه قد اندحر؛ فلم يكن هناك باعث له على طول الوقوف للدعاء. فلما تراءى له ثانيًا عند الجمرة الوسطى استشعر إبراهيم عليه السلام خبث هذا الرجيم، وشدة لجاجه في الكيد، وعدم يأسه من


(١) كذا في الأصل. والمقصود عدم الوقوف عندها.