الباعث للمعلم ــ رحمه الله ــ على دعوى أن أهل مكة قاتلوا أهل الفيل أمران:
الأول: استبعاده أن ينكُلوا عن القتال دون البيت، مع مالهم فيه من حسن الاعتقاد، وما لهم به من الشرف، وما عُرفوا به من الغيرة والنجدة. وقد تقدم الكلام على هذا في فصل (ج).
الثاني: استشعاره ــ فيما يظهر ــ أن اعتقاد نكول قريش عن القتال قد يؤدي إلى عيبهم، وقد يتخذه بعض الكفار والملحدين ذريعة إلى عيب خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم لأنهم قومه.
وقد خفي هذا عن بعض أهل العلم في عصرنا [ص ٤٤] لا يزال يكرر في مواعظه أن العرب كانوا على غاية من الجبن، أرعبتهم دابة ــ يعني الفيل ــ فأسلموا بيت الله، وهو رأس دينهم وشرفهم. ويتفنن في هذا المعنى، ومقصوده إثبات أنّ الإسلام هو الذي أكسبهم الشجاعة. وكان عليه أن يدع هذا البحث لمخالفته الواقع، وضعف النتيجة التي يحاولها منه، ولأنّه سرعان ما يسري في النفوس عيب الأمة إلى عيب كل فرد منها، فيجرُّ ذلك إلى عيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويتخذه الكفار والملحدون ذريعة إلى ذلك.
فكأن المعلِّم رحمه الله حاول اقتلاع هذا الأمر من أصله. وأنا أقول: إن الحق أعز وأظهر من أن يضطرّ المنتصر له إلى الخروج عنه من جهة أخرى. وقد قدمت في فصل (ج) ما فيه أوضح العذر لأهل مكة في كفّهم عن قتال أبرهة. فمن تعامى عن ذلك وأبى إلا أن ينسبهم إلى الجبن، فهو وما اختار لنفسه!